السياسيةتقارير وتحقيقات

هل سيتكرر سيناريو القطيعة بين اربيل وبغداد ؟

صلاح حسن بابان
تعود التساؤلات بشأن طبيعة الخارطة السياسية التي سترسم بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، تزامناً مع الإعلان عن تشكيلة حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد توفيق علاوي، مع احتمالية تراجع العلاقات بين الجانبين من جديد على المستويين السياسي والاقتصادي كما حصل بين الاعوام 2014-2018 بعد أن شهدت هدوئاً نسبياً خلال فترة حكومة عادل عبدالمهدي.
ومع اقتراب موعد اعلان الحكومة الجديدة، تثار في الشارع الكردي تساؤلات بشأن شكل العلاقة بين الحكومتين ومصير الاتفاقات المبدئية التي تم التوصل اليها بين الجانبين فيما يتعلق بالنفط والعائدات الجمركية وتداعيات رحيل عبد المهدي الذي كان يحظى بدعم كبير من الكرد، في ظل عدم توافق الكرد مع علاوي على طريقة اختيار أسماء الوزراء للكابينة الجديدة.
ومرّ الإقليم بعلاقات مضطربة مع الحكومة الاتحادية خلال حقبة الحكومتين التي تولى رئاستيهما نوري المالكي وحيدر العبادي (2010-2018) نتجت عنهما تشنجات وخلافات سياسية عميقة أدت لقطع العلاقات السياسية والاقتصادية بين الطرفين وخصوصاً بعد اجراء الإقليم استفتاء الإنفصال عام 2017 الذي نتج عنه أحداث 17 أكتوبر من العام ذاته.
إلا أن المياه عادت الى مجاريها بعد تسنم عادل عبدالمهدي رئاسة الحكومة في عام 2018 والذي عرف بعلاقاته الجيدة مع الأطراف الكردية منذ عقودٍ من الزمن لارتباطه التاريخي مع القوى السياسية.

علاوي يسير على نهج عبدالمهدي
ومع اعلان تكليف محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة الجديدة من قبل رئيس الجمهورية برهم أحمد صالح في 1 شباط 2020 بعد استقالة عبدالمهدي، مازال الشارع الكردي، حاولات العديد من المؤسسات الاعلامية والمراكز السياسية الاجابة على السؤال الجوهري: هل ستسمر العلاقات بين أربيل وبغداد كما كانت في زمن عبدالمهدي أم ستشهد اضطرابات مرةً أخرى كالتي كانت في زمن العبادي والمالكي…؟
ويرى العديد من المتابعين والمتصدين للشأن السياسي، ان علاوي سيسعى وبعد تثبيت حكومته واطلاق برنامج مكافحة الفساد، الى ترطيب الاجواء مع حكومة الإقليم وبناء علاقات طبيعية كما كانت في زمن عبدالمهدي.
يقول الصحفي الكردي عبدالله ريشاوي: “لا أظن بأن علاوي سيخاطر بخلق مشاكل مع اقليم كردستان وهو يمضي في خطواتها الاولى لتشكيل الحكومة الجديدة”.
وسيسير علاوي، بحسب ريشاوي، على نفس نهج عبدالمهدي في تكوين علاقات جيدة مع كردستان، مضيفاً في حديث خاص مع “صباح كوردستان” ان “المشكلة الكبرى التي تواجه علاوي هي نيته تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلين إلا أن أصحاب النفوذ في الإقليم يسعون للمشاركة في تلك الحكومة من خلال وزراء متحزبين، وهذا ما سيصعب مهمة علاوي ويفرض عليه البحث عن آلية لحل الاشكال مع الأطراف الكردية دون الاضرار بتعهده بتشكيل حكومة كفاءات”.

دروس ملف النفط
ويرى الصحفي الكردي ان من أبرز الأسباب التي دفعت في الماضي الى تشنج العلاقات بين حكومتي بغداد وأربيل هو توجه الأخير الى بيع النفط بعيداً عن المركز وهذا ما أزعج الحكومة الاتحادية، بالنتيجة انعكس ذلك سلباً على حياة المواطنين ورواتب الموظفين في الاقليم عقب قطع حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية كرد فعل على عدم إلتزام الإقليم بتسليم واردات النفط المنتج من قبله الى بغداد.
ووفق ريشاوي فان الاقليم دفع ثمناً باهضاً ولأكثر من أربع سنوات نتيجة اصراره على التوجه للإستقلال في بيع النفط المنتج بحقول الاقليم رغم اعتراض الحكومة الاتحادي على ذلك، ويقول “مشاركة الإقليم في حكومة علاوي الجديدة مهمة ومؤثرة لكن مقاطعته لها لايمكن ان توقف تشكيلها كما حصل مع تشكيل حكومة حيدر العبادي في عام 2014 عندما كانت العلاقات بين بغداد وأربيل مضطربة”.
ولا يملك الكرد ولاحتى القوى السنية أصوات كافية في البرلمان يمكن ان تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة اذا قررت القوة الشيعية دعم تلك الحكومة كونها تملك اكثر من نصف مقاعد البرلمان.

مرونة الإقليم
وبعد فشل خطط القيادة الكردية المتعلقة باستفتاء الإنفصال عام 2017 مع رفض دول العالم له كما دول الاقليم، أبدى اقليم كردستان مرونة واضحة في علاقاته مع بغداد خصوصاً فيما يتعلق بملفي النفط والغاز ووافق على تسليم جزء من واردات بيع النفط الى الحكومة الاتحادية شريطة ان تلتزم الأخيرة بدفع مستحقات الاقليم المالية ومنها رواتب الموظفين.
لكن مع عدم توصل الجانبين الى اتفاقات موقعة وتفاهمات عميقة مبنية على المصالح المشتركة ومدعومة بموافقات سياسية وبرلمانية، وعلى ضوء العلاقات المرتبكة منذ سنوات بين الطرفين، فان الكرد قد يواجهون مشكلة كبيرة في حل مشاكلهم مع الحكومة الاتحادية وتمرير التفاهمات والاتفاقات المدئية التي توصلوا اليها مع حكومة عبد المهدي، كون الأمر متعلق بملف النفط “المتقلب والشائك” بحسب الصحفي محمد البغدادي.
ويلفت الى التأثيرات المحتملة للمطامح المستقبلية للكرد في تحقيق قفزات من التنمية والإستقرار وعناوين رئيسية أخرى بما فيها بناء الدولة، وتحركات بغداد اتجاهها “حتى اذا ما سلمنا جدلا بتسميتها ووضع جغرافية لها على خارطة التحولات السياسية والإقتصادية المستقبلية”.
ويواجه رئيس مجلس الوزراء المكلف منعطفاً خطيراً في مسار العملية السياسية على مستوى التوافقات البينية لأطراف المحاصصة وتقاسم الكعكة، فهو يحاول تغيير ما درجت عليه تلك الأطراف في الحكومات السابقة، كما يشير الصحفي البغدادي في حديثه مع “صباح كوردستان”، موضحاً ان “علاوي نفض كلتا يديه من التورط بإرادات السياسيين الضاغطين عليه، معلناً سعيه لتشكيل حكومة لا تخضع لتوازنات وضغوطات ومماحكات في أقبية الخضراء”.

مشاركة الكرد تزيد قوّة الحكومة
وقال البغدادي ان “ديمومة إرسال الوفود الحكومية من قبل إقليم كردستان لا شك أنها ستنضج فكرة حسن النية وتقدم رئيس حكومة الاقليم مسرور بارزاني كرجل دولة مستوعباً لكل تجارب الماضي بين بغداد وأربيل، فهو أعلن منذ أول خطاب له بعد تسنمه منصب رئيس حكومة الإقليم في برلمان كردستان ضرورة تطبيع العلاقات مع بغداد وفتح كل الملفات العالقة ومعالجتها وفق الدستور ونصوص الإتفاقيات السابقة”.
ويتابع: “وخطوات الإقليم الأخيرة بعد اجراء الإستفتاء تشير الى انفتاحه على بغداد، وتريد هي الأخرى حلاً ينهي القطيعة النفسية قبل السياسية والإقتصادية مع ضمان حقها بما تنتجه أرض كردستان من النفط في إطار النظام الفيدرالي وليس على أساس التخويف وقوة السلاح”.
ويؤكد الصحفي البغدادي ان “مشاركة الكرد في حكومة علاوي وسعيهم لانجاحها ستزيد من قوتها، وهنا إذا وضعت القوى الكردية في حساباتها معدلات الربح والخسارة فان ضياع العملية السياسية جراء ما تشهده البلاد من إنقسامات حادة بين الاطراف السياسية على تقاسم الكعكة سوف لن يخدمهم، وهم لن يكون بمنأى عن الغرق او بعيدين عن الإنهيارات السياسية خاصة في الحدود المتاخمة للإقليم بما فيها ما يتعلق بملف كركوك”.
ويشيد البغدادي بذكاء الكرد عندما أحاطوا بغداد وبالأخص محمد توفيق علاوي برؤيتهم في المشاركة وإن لم تعلن تلك الرؤى لكنها وبكل تأكيد لها شروطها ومطالبها الى جانب اعلانهم المتكرر عن تقديم رؤية وطن مستقر، فكان ذلك محط احترام العرب العراقيين قبل غيرهم.
ويتابع “كان مهما للجميع التأكيد المتكرر للقيادة الكردية على موقفها بضرورة إشاعة الامن والإستقرار قبل غيرهما من المتطلبات وعدم التلميح الى مناصب او ما شابه من امتيازات في حكومة علاوي رغم ان اصوات كردية في البرلمان الاتحادي دعت الى علاقة جديدة مع بغداد”.

رؤية الشارع
ومع اعلان تكليف محمد توفيق علاوي بمهمة تشكيل الحكومة رسمياً، وكشف توجهاته الوسطية وعدم وجود اي مشاكل سابقة مع الكرد “تفاءل الشارع الكردي بمهمة التكليف تلك، وبامكانية استمرار العلاقات الايجابية بين أربيل وبغداد كما حصل خلال العامين الأخيرين”، بحسب النائب في برلمان الإقليم، عثمان كريم سواره، مستبعداً وبنسبة عالية “اضطراب العلاقات بين الطرفين مرةً أخرى بعد التفاهمات الاخيرة بينهما”.
وقال سواره في حديثٍ خاص لـ”صباح كوردستان” ان “المشكلة الحالية بين بغداد وأربيل تتعلق بحصة الكرد في الحكومة الجديدة عقب اعلان علاوي عن سعيه لتشكيل حكومة بعيداً عن نظام المحاصصة”.
ويؤكد النائب في برلمان الإقليم أن تنفيذ الاتفاقيات السابقة والإلتزام بها كفيل بانهاء جميع الخلافات بين أربيل وبغداد، لافتاً الى أن “المعطيات الموجودة على أرض الواقع تشير الى وجود إنسيابية بينهما ولايوجد أي مؤشر لإعادة اضطراب تلك العلاقة مرةً أخرى، خاصة ان ذلك يتقطاع مع مصلحة الطرفين”.
بدوره يقول منسق اعلام غرفة التغيير دلير عبدالخالق، ان اجتياز أي مرحلة ضبابية بين الإقليم وبغداد بحاجة الى الإلتزام بالدستور وتنفيذ بنوده من قبل الطرفين، مؤكداً في حديث خاص مع “صباح كوردستان” ضرورة خضوع جميع الاتفاقيات السياسية والاقتصادية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية الى الأسس والبنود الواردة في الدستور العراقي، وهذا ما يريده الكرد وعموم فئات الشعب العراقي.

سلبيات الإستفتاء
وينتظر الكرد ان يكشف علاوي خارطة برامجه الحكومية بعد الاعلان عن تشكيلته الرسمية والبدء بتنفيذ مطالب المتظاهرين بالدرجة الأولى لاسيما فيما يتعلق بملفات الإصلاح والقضاء على الفساد في جميع القطاعات لاعادة الثقة بين السلطة والشعب، بحسب عبدالخالق، وقال ان “تنفيذ ذلك سيزيد من الإستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي في الإقليم وبغداد”.
وتشدد حركة التغيير على تنفيذ مطالب الإقليم ومنها ما يتعلق بحصته من الميزانية السنوية وفق نسبته السكانية وتأمين رواتب الموظفين وعدم زجها بالصراعات السياسية كما حصل خلال الأعوام السابقة اضافةً الى ضمان مستحقات كردستان كاملةً والتي يقرها الدستور.
ويضيف منسق غرفة اعلام حركة التغيير ان “اجراء استفتاء الإنفصال من قبل الإقليم عام 2017 خلّف سلبيات كثيرة كان ضحيتها الشعب الكردي عموماً إلا أن المفاوضات التي أجريت عقب ذلك بين بغداد وأربيل فتحت صفحة جديدة من العلاقات الثنائية وعادت المياه الى مجاريها كما كانت، ويجب البناء على ذلك لتعزيز التفاهمات الحاصلة بما يخدم مصلحة الجميع”.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار