تقارير وتحقيقات

في كوردستان.. سوء ادارة الاقتصاد تعطل النتائج المرجوة من الاصلاحات وتعرقل القضاء على الفساد

صلاح حسن بابان
استعرض رئيس مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، أبرز خطوات واجراءات حكومة الكابينة التاسعة بعد 100 يومٍ من تشكيلها، مسلطاً الضوء على أبرز الانجازات المتحققة في مسار اجراء الاصلاحات والقضاء على الفساد وتحسين العلاقات مع الحكومة الاتحادية بعد توترها خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وجاء الاعلان عن انجازات الحكومة وسط تفاؤل حذر بمدى قدرة الحكومة الحالية على مواجهة الفساد المستشري في مختلف مفاصل الاقليم واجراء الاصلاحات الضرورية في الوزارات والمؤسسات والقطاعات المختلفة وبشكل خاص مجالات الاقتصاد والاستثمار والنفط.

وقال رئيس حكومة اقليم كردستان ان الاقليم اصبح “اكثر قوة واستقرارا” من ذي قبل، معلنا عن اعداد حكومته خططا مستقبلية في تحسين الواقع الخدمي والمعيشي للمواطنين في الاقليم. وقال في كلمته التي وجهها الى شعب كردستان انه “مع بدء عمل الحكومة، أوكلنا لوزارة المالية مهمة حصر إيرادات حكومة الإقليم، لكي نكون على علم بحجم الإنفاق والإيرادات، وأن يكون الإنفاق وفق مقتضيات الحاجة وبتخطيط مدروس، وحققنا زيادة في الإيرادات الداخلية ونسعى لرفعها إلى 50 بالمئة بنهاية هذا العام”.

وأشار رئيس الحكومة، إلى أنه وخلال المئة يوم من العمل، وضعت الحكومة نظاماً متوازناً لفرض الضرائب يراعي المصلحة العامة، ويشمل وضع حد للتهرب الضريبي وغير القانوني لجميع الأفراد والشركات العاملة في الإقليم.

وتطرق رئيس الوزراء في خطابه إلى ملف الفساد، وقال: “وضعنا آلية لتحجيم الفساد، وأنا شخصياً جاد وبشكل كبير في متابعة الموضوع، ولن أتوانى عن أي شخص أو جهة تمارس الفساد”، وأردف: “واتخذنا إجراءات صارمة بحق دافعي الرشاوى للمؤسسات الحكومية، وتمت إحالة العديد منهم إلى المحاكم، ولقد شكلنا لجاناً خاصة في الوزارات لمتابعة الفساد والممارسات غير القانونية”.

ويرى مراقبون في الشأنين الاقتصادي والسياسي ان خطوات حكومة الاقليم الجديدة نحو اجراء الاصلاحات والقضاء على الفساد لم تكن بالمستوى المطلوب، إلا انها تعتبر ومقارنة مع الحكومات السابقة الأفضل، مؤكدين أن اجراء الاصلاح في كردستان بحاجة الى عمل دؤوب على أرض الواقع بعيداً عن المحاصصات الحزبية والصراعات السياسية.

وعرض بارزاني في كلمة له مطلع الشهر الجاري، أهم الانجازات التي حققتها حكومته خلال أول 100 يوم من عملها بما فيها ما يتعلق بالاصلاحات وتطوير العلاقات بين بغداد وأربيل، قائلاً: ان “تقوية العلاقات بين الطرفين لها أثر ايجابي، ليس على الحياة اليومية لمواطني كردستان فحسب، بل على الحياة اليومية للعراقيين جميعاً”، مبينا أن حكومة الإقليم “تسعى لإبرام اتفاق شامل مع الحكومة الاتحادية يصب في مصلحة الجميع”.

وأضاف متحدثا عن نتائج المحادثات التي تجريها حكومة الاقليم ومنذ اشهر مع الحكومة الاتحادية بشأن الملفين الاقتصادي وعائدات النفط: “مازلنا نواصل مباحثاتنا مع الحكومة الاتحادية للبت في المشاكل، وللمرة الأولى تشارك حكومة الإقليم في إعداد المراحل الأولى للموازنة السنوية للعراق، ولقد قطعنا خطوات جيدة مع وزارة المالية بهذا الصدد”.

وأكد أن “حسم مسألة حصة إقليم كردستان من الموازنة الاتحادية سيسهم في انجاز العديد من المشاريع التي ستخدم مواطني الاقليم والعراق عامة”، مبيناً أن “ثمة تطورات أخرى حققت في ملف العلاقات مع بغداد”.

فتح صفحة جديدة بين أربيل وبغداد

ويعلق المحلل السياسي الكردي المستقل مسعود حيدر، على مدى نجاح حكومة كردستان الحالية في تحسين العلاقات بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية بعد تشنجها خلال السنوات الخمس الأخيرة، على اثر الخلافات القائمة حول حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية وعدم تسليمه النفط المنتج من حقوله واجرائه استفتاء الانفصال عام 2017، قائلا ان “الزيارات المتكررة للمسؤولين الكرد الى العاصمة بغداد واجرائهم لقاءات متعددة مع الأطراف والشخصيات السياسية المختلفة دليل واضح على نية الاقليم على فتح صفحة جديدة فيما يخص العلاقات مع الحكومة الاتحادية وطي الصفحة السابقة المليئة بالخلافات والصراعات السياسية”.

ويقول حيدر في حديثٍ خاص مع “صباح كوردستان” ان “أربيل كانت في السابق قبلة السياسيين العراقيين ومركز حيوي لتشكيل الحكومات العراقية السابقة لكن المعادلة انقلبت واختلفت الاوضاع في السنوات الأخيرة، فصار المسؤولون الكرد هم من يذهبون الى بغداد لحل المشاكل مع المسؤولين العراقيين والحكومة الاتحادية”، عاداً السبب في ذلك الى”الأخطاء المتكررة للسياسيين والمسؤولين الكرد خلال السنوات الماضية”.

وتوترت العلاقات الثنائية بين بغداد وأربيل بعد ظهور تنظيم داعش الارهابي ورفض الحكومة الاتحادية ارسال حصة كردستان من الموازنة الاتحادية بعد رفض الاقليم تسليم النفط الذي تنتجه حقوله واصراره على الاستقلال في التصدير لتأمين الموارد المالية للاقليم.

ونتيجة لذلك شهدت كردستان أزمة اقتصادية كبيرة أدت الى تراجع الاستثمار وحركة سوق العمل وانتشار البطالة، وهجرة الاف العوائل والشباب خصوصاً الى أوروبا، واضطرار حكومة الكابينة الثامنة برئاسة نيجيرفان بارزاني الى العمل بنظام “ادخارالرواتب” والذي تمثل بقطع نسبة من الراتب تراوحت بين 30 الى 70% عام 2015 فضلاًعن تأخر صرفها في بعض الحالات لأكثر من خمسين يوماً.

وتعمّقت الخلافات أكثر بين الطرفين بعد اجراء الاقليم استفتاء الانفصال عام 2017 ما دفع الحكومة الاتحادية الى التحرك عسكريا ونشر قواتها في المناطق المتنازع عليها الخاضعة للمادة 140 من الدستور العراقي في ما اسمته بـ”عمليات فرض القانون”، كما قامت بفرض حظر جوي على مطارات كردستان.

الاشادة بدور الرئاسات الثلاث

وأشاد المحلل السياسي الكردي مسعود حيدر بخطوات الاقليم في تحسين علاقاته مع بغداد، واصفاً اياها بـ”الايجابية” عازياً السبب في ذلك الى وجود “هيئة رئاسات فعالة جيدة في الحكومة الاتحادية ومنها رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان ساهمت بنسبة كبيرة في تحسن العلاقات بين الطرفين”.

ويؤيد الصحفي الكردي هاوكارعبدالستار رأي حيدر في اهمية استعادة العلاقات الثنائية الايجابية بين بغداد وأربيل، قائلاً: “واحدة من أفضل الخطوات التي قامت بها حكومة الكابينة التاسعة عكس حكومة الكابينة الثامنة هي توجهها وسعيها نحو فتح صفحة جديدة من العلاقات مع بغداد لطي صفحة الخلافات والخروج من الأزمة”.

وأوضح عبدالستار في حديثٍ خاص مع “صباح كوردستان” ان “استمرار العلاقات بين أربيل وبغداد بهذا التوجه وتحسنها يوم بعد اخر وجعلها من أولويات البرنامج الحكومي للكابينة التاسعة بالتأكيد سينعكس ايجابياً على الحياة المعيشية للمواطنين في الاقليم ويحسّن من الوضع الاقتصادي بعد المو جة القاسية التي شهدتها كردستان بسبب قطع الموازنة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة”.

صعوبة القضاء على الفساد

وعن مدى مصداقية حكومة كردستان الحالية في اجراء الاصلاحات والقضاء على الفساد، يرى المحلل السياسي مسعود حيدر: ان “القضاء على الفساد واجراء الاصلاحات لا يمكن ان تتم خلال مدة قصيرة، والأمر يحتاج الى برنامج حكومي جاد وفترة أطول من العمل”، عازياً السبب في ذلك الى أن الحكومات السابقة في الاقليم كانت تعمل على “تصريف الفساد، وهذا ما أدى الى تعمّق الأزمات في كردستان خلال السنوات الأخيرة”.

وتابع: ان “الحكومة الحالية اختلفت الى حدٍ ما مع الحكومة السابقة باتخاذها اجراءات بسيطة نحو تحقيق الاصلاحات والقضاء على الفساد، بعد سنوات من الانتظار حصلت فيها عمليات فساد كبيرة ولا يمكن القضاء عليها خلال سنة أو سنتين وهي بحاجة لمدة أطول”.

تفاؤل الاقليم باجراء الاصلاحات

ويعلّق حيدر على كلام رئيس حكومة الاقليم حول عمل حكومته خلال الـ100 يوم الماضية، قائلاً ان “مسألة الادارة في الاقليم او الفساد أكبر من أن تعالج خلال 100 يوم أو بتحقيق خطوات بسيطة كما قامت به الحكومة الحالية”.

واضاف أن “جزءا كبيرا من شعب كردستان متفائل بالحكومة الحالية ويرى انها تملك أفضلية مقارنة بالحكومات السابقة بعد اتخاذها خطوات وان كانت بسيطة نحوالاصلاحات والقضاء على الفساد”.

ودعا السياسي الكردي حكومة الاقليم الى “اجراء اصلاحات جذرية واسعة كما حصل في بغداد والمحافظات الأخرى كون الفساد في الاقليم كبير جداً والقضاء عليه يكون على عدة مراحل”، متسائلاً: “كيف يمكن القضاء على الفساد واجراء الاصلاحات بعد أن أصبحت حكومة كردستان مدينة بأكثر من 30 مليار دولار وانتهاء حلم الاستقلال الكامل في تصدير النفط دون الاتفاق مع بغداد”.

ويتساءل دلير احمد، وهو ناشط مدني، عن الاصلاحات التي جرت في قطاع النفط كما قطاع الاستثمارات واحالة العقود للشركات وهي ابرز القطاعات المالية في الاقليم، معتبرا ان “اي اصلاحات فعلية لم تتحقق في هذا المجال”. وقال “مازلنا لا نعرف كم هي عائدات الاقليم الشهرية من تصدر النفط أو من المعابر الحدودية”.

واضاف احمد ان “ما تحقق من اجراءات يتعلق فقط بمحاولة تنظيم جداول الرواتب وصدور القانون الخاص بقطع رواتب غير المستحقين من الموظفين والمتقاعدين او من يتلقون اكثر من راتب واصحاب الدرجات الخاصة وتقليل نسبي في الامتيازات غير الشرعية التي يحصلون عليها منذ سنوات دون حساب”.

المهمة صعبة و100 يومٍ غير كافٍ

ويرى الصحفي هاوكار عبدالستار أن “خطوات الحكومة الحالية حول مسائل وملفات الاصلاح كانت أكثر ايجابية من الحكومة السابقة لكن هذا لايعني أن المهمة قد انتهت، فالمواطنون في كردستان لم يلمسوا بعد الخطوات الحقيقية للقضاء على الفساد واجراء الاصلاحات”.

وأكد الصحفي الكردي ان ما ينتظره الشعب الكردي أكبر من أن “يتحقق خلال 100 يوم كما أعلن في تقرير رئيس الحكومة الذي استطاع ان يحقق نجاحاً في ملفات بسيطة دون الملفات الكبيرة، والمهمة صعبة جداً خصوصاً فيما يتعلق برواتب وامتيازات الموظفين”.

ويعلق الخبير الاقتصادي أيوب سماق على خطوات حكومة الاقليم خلال 100 يوم بعد تشكيلها حول الملف الاقتصادي قائلاً: “لم نلمس أي تحسن في الوضع الاقتصادي خلال الفترة المذكورة من عمل الحكومة من خلال ملاحظة الاجراءات الادارية والفنية”، مضيفاً ان “الكلام عن اجراء الاصلاحات وتحسين الوضع الاقتصادي مخالف تماماً مع الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الاقليم منذ أكثر من خمسة أعوام متتالية”.

ويرى الخبير الاقتصادي ان الاقليم يعاني من مشكلة كبيرة منذ عقود وهي “سوء ادارة الملف الاقتصادي”، مؤكداً في حديثٍ خاص مع “صباح كوردستان” ان المشكلة لا تكمن في الاقتصاد نفسه بقدر ما يتعلق الأمر بسوء “ادارة الاقتصاد” وهذا ما يجعل الاقليم يعيش حالات متكررة من المد والجزر في الملف الاقتصادي منذ سنوات طويلة دون حلول تذكر.

وانتقد سماق حكومة اقليم كردستان لعدم “انصاتها لآراء خبراء الاقتصاد والأخذ بمقترحاتهم للخروج من الأزمة الحالية”.

وانتخب برلمان إقليم كردستان في 11 حزيران 2019، مسرور بارزاني لرئاسة التشكيلة الحكومية التاسعة بأغلبية الأصوات، وفي 10 تموز 2019 أدى اليمين القانونية رئيساً للحكومة المؤلفة من 23 وزيراً.

وكان رئيس حكومة الاقليم قد قال ان الوزارات كافة قدمت خططها للسنوات الأربع المقبلة بشأن الاصلاح، وقال: “إن الإصلاح من المحاور الأساسية في عملنا، وقد باشرنا في تقديم بعض الخدمات العامة بإتباع المكننة الإلكترونية لبعض الدوائرالحكومية”.

وتابع: “نحن بصدد إنشاء مركز معلومات للحكومة على أن يتم العمل به في الأشهر المقبلة. وعلى سبيل المثال، ربطنا بعض المنافذ الحدودية مع بعضها عبر شبكة الإنترنت، وسنواصل العمل بهذا الشأن”.

وأشار إلى أن حكومة الإقليم تعمل جاهدة على تطوير وتمتين أسس البنية التحتية لاقتصاد كردستان وتنويع مصادر هو عدم الاعتماد على مصدر دخل واحد، مؤكداً وجود خطط للنهوض بالقطاعين الزراعي والصناعي.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار