الثقافيةمقالات

كتب الكاتبة إبتهال بليبل مقال بعنوان “راقصة الحانة”

إبتهال بليبل/العراق

مثلا- لم تختر بإرادتها ذاك الذي كان يربّت على كتفها العاري بينما هؤلاء الذين جلسوا طويلاً أمامها، تخيلوا كأساً بين أصابعها.. لقد كانوا يحلمون بقضمها دون دراية بما تعنيه أسنانهم الحادة.
ما كان لديّ تلك الأصابع أبداً– كان بإمكانهم ألاّ يتخيلوا – هكذا بات رأسي مثقلاً بألوان قمصان المتفحمة قلوبهم.
في الحانة أيضاً طاولات مخنوقة الأضواء تستريح تحتها كعوب عالية وحقائب خالية إلاّ من مناديل وأقراص مهدئة تشل مسودات لا تنتهي من ذاكرة قديمة، المسافات هنا تفيضُ بأسماء ووجوه غامضة..
أهذه المرأة المعلقة هنا بخيوط واهية، هي (أنا)؟
وقد لا تكون (أنا)!
لهذا لن أمنع نفسي من التفكير -دون أن ينتبهوا- بجلسات اعتراف تفشل في خدش شعور الفاتنات بالفقد، ولن أسامح العشاق الذين لم يتدربوا على الظهور المدهش.. لقد كانوا يؤكدون حضورهم –دوماً- أثناء الغياب، ولكن الحضور أقل، وإن اعتدنا الانصات لارتطام أحذيتهم بالأسفلت الراسخ بموعد في البال.
لماذا لا تصدّق ما أخبرها به عن الرقص؟
نزيلة السجن التي تضم شعرها للخلف بشريط مطاطي رخيص، تطرق بابي كل ليلة… الليل هو النفق الذي يرعبني ممره، أدخله عندما تشبه حراس الأمن.. الحراس يعجزون –عادة- عن النوم وزيارة الأحلام، يفتحون عيونهم على أشياء تمشي بخفة مومسات لا يتقنن، مطلقا، الغضب من قدرة –فلاشات- هواتفهن النقالة على جذب المصابين بالسهر العتيق.
كنتَ تقريبا مصاباً بالسهر العتيق.
تمر متسللاً من بحة تسببها زجاجة عطرك المهجورة، متسللاً أيضا من العداء الذي يتركه نصف النسيان، والوحدة التي نشعر بها مع اللحن والخريف، وكأنّهما بطاقة بريد، أفتحها بانكسار على دامس الطريق، بيدِ النّدم، أفركُ النعاس عن عيوني.
من السكارى تُبعدني النادلات.. لكنني مليون مرّة جاورتهم بهيئة سائحة، تبحث عن أسلحة مقاومة- بالطبع- لمخلوقات مركونة خلف نظرة الخوف.
أن تتحول لسائح، أن تقتني أسلحة غير مرخصة: مؤلم أن تقابل قتلة بظهور مكشوفة، بهدوء ناعم تتحسس الفراغ الذي يبتلع المسافات.. تمشي عمراً كي تفهم هذا الغياب.. الغياب الذي صار مع أوهامك كملامح لا تكبر.
أن تقضي شطراً من حياتك مع سكارى يتساقطون من خلالك.. وبلا أحدٍ تعود كل مساء ببطءٍ طبيب تجميل، يتذكّر، فجأة، البقع العالقة في صدريته البيضاء، البقع التي تخص نساء لم يعد لهن ملامح.
كلماتهم المتفرِّقة بنظرات خالية من النسيان، السكارى الذين يغلقون التلفاز بعد أن يبصقوا بلامبالاة على شاشته، كي لا تثقلهم – ربمّا – نشرات الأخبار أو سيقان امرأة مثيرة في إعلان ما، هم أقل خطورة من الذي ينتظرك في حياة مبالغ في تلميعها.. كعامل خدمة يقضي الوقت كله في تدريبك على استفراغ معدتك من الطعام.. عمال الخدمات ينتظرون بالضرورة، عندما تقترب مهمتهم أكثر من الذي احتفظوا بقدرتهم على التقيؤ.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار