مقالات

الكتلة الاكبر: مفهوم مرن لا تحدد المحكمة الاتحادية مصداقه

محمد عبد الجبار الشبوط:
دخل مصطلح “الكتلة النيابية الاكثر عددا” الحياة السياسية العراقية بعد وروده في الدستور الدائم في المادة (76) التي نصت فقرتها الاولى على ما يلي “يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.”
وبسبب حداثة التجربية الديمقراطية العراقية التي تجعل العراقيين يختلفون في فهم وتفسير اوضح الواضحات، فقد تعرض هذا المصطلح لكثير من عمليات الشد والجذب كان طرفاها الكتل السياسية المتصارعة عاى السلطة، والمحكمة الاتحادية التي من مهامها حسب المادة ٩٣ من الدستور “تفسير نصوص الدستور”. وهذه نقطة مهمة. فالمحكمة الاتحادية العليا تفصل وتحكم في طريقة فهم وتفسير المفردات والمصطلحات والنصوص الدستورية، لكنها غير معنية بتشخيص مصاديق هذه المفردات، فهي تعمل مثل عمل الفقيه الذي يقول لك ان الخمر حرام، لكن ليس من وظيفته ان يقول لك ان هذا السائل تحديدا الموجود في هذا الاناء تحديدا هو خمر ام لا. فتشخيص المصاديق هو من وظيفة المكلّف، ووظيفة الفقيه هي بيان الاحكام. كذلك المحكمة الاتحادية حيث يصح ان نسألها “ما هي الكتلة النيابية الاكثر عددا؟”؛ لكن لا يصح ان نسألها “من هي الكتلة النيابية الاكثر عددا؟”.
عبارة “الكتلة النيابية الاكثر عددا” واضحة من حيث المفردات، فليس فيها كلمة غريبة على اللسان العربي الفصيح.ولو سالنا اعرابيا او قرشيا لقال ان معناها الجماعة من الاشخاص المتوحدين والمتواجدين في مكان واحد (هو مجلس النواب، بقرينة كلمة “النيابية”) وزمان واحد، كون ان الزمن يحمل معه صفة التغير والتقلب.
وعليه فان الكتلة النيابية الاكثر عددا هي “مجموعة النواب الذي يعلنون عن انفسهم بوصفهم كتلة واحدة بعد حيازتهم الصفة النيابية التي لا تتحقق، بعد الفوز بالانتخابات، الا باداء اليمين الدستورية”. ولهذا قالت المحكمة الاتحادية “في الجلسة الاولى”.
ولكن مما لم تذكره المحكمة الاتحادية ان صفة “الاكثر عددا” متغيرة ومتحولة وغير ثابتة. فمن الممكن ان ينسحب عدد من النواب من هذه الكتلة الاكثر عددا فتتحول على كتلة اقل عددا، ومن الممكن ان يلتحق عدد كبير من النواب بكتلة صغيرة فتصبح اكثر عددا. ومن الممكن ان تتحالف عدة قوائم انتخابية صغيرة، بعد الفوز واداء اليمين، لتصبح كتلة نيابية اكثر عددا. وعلى هذا، فيجب على رئيس مجلس النواب، او مراقبه على الاقل، مراقبة الحراك البرلماني ورصد التحولات المحتملة في حجوم الكتل النيابية الموجودة وتفعيل ما يترتب من اثار عملية على هذه التحولات، ولا يستدعي الامر توجيه الاسئلة الى المحكمة الاتحادية، لان هذا الامر متعلق بالمصداق وليس متعلقا بالمفهوم.
علينا ان نلاحظ هنا ان من اسباب اللغط الكثير، با العوق، هو غياب الحزب الكبير الدي يمكن ان يشكل بمفرده اغلبية مطلقة في البرلمان. فالاحزاب العراقية الموجودة في البرلمان مازالت احزابا صغيرة (من حيث نسبة عدد نوابها الى عدد النواب في المجلس)، او صغيرة جدا، او فردية، او مجهرية. هذا فضلا عن الاحزاب الموسمية التي تفشل في ايصال اي من افرادها الى البرلمان.
يبقى ان نشير الى ان تفضيل الكتلة النيابية الاكثر عددا بحق تسمية المرشح لرئاسة الحكومة (في التكليف الاول فقط كما ارى)، يعود الى جذر ديمقراطي. فالديمقراطية البرلمانية التي تقوم على مبدأ تداول السلطة سلميا، تحيل حق تولي الحكم الى الاغلبية المطلقة في البرلمان، اي الى الكتلة او الحزب الذي يحوز على نصف عدد اعضاء البرلمان زائدا واحد. وهذا هو معنى “الاغلبية المطلقة”. واما اذا لم تسفر الانتخابات عن هذه النتيجة، فان على الحزب الاقرب تشكيل تحالف حكومي مع غيره لصناعة الاغلبية المطلقة. النص الدستوري عندنا مقلق، وكان ينبغي ان ينص على الكتلة النيابية ذات الاغلبية المطلقة، وليس الاكثر عددا فقط.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار