مقالات

ليالي القمر

بقلم الصحافي هادي جلو مرعي:
وحيدا إلا من صور الماضي يجلس الرجل المعتل متأملا القمر المكتمل، بينما النسمات دافئة، والبحر يبدو ساكنا كأنه يشارك الرجل ذلك التأمل فهو بلاحبيب، ولاانيس، لامن الرجال، ولامن النساء بإستثناء أصوات تأتي خافتة من بعيد لحيوانات تتسكع في الغابات من خلفه، وهو مايزال متسمرا وعيناه على القمر كأنها تحط عليه مثل ثنائي يؤدي رقصة صامتة.
هو ينظر الى القمر ليس لأنه عاشق مفتون ينتظر وصول حبيبته بموكب فخم من الجواري والوصيفات والحراس الذين يتبعون عربة مذهبة، تجرها الخيول الأصيلة، وفيها تجلس الحبيبة الجميلة مرتدية ثوبا مطرزا باللؤلؤ، وعليها آثار اللهفة التي تطبع وجهها وعينها، لكنها متعبة لطول الطريق.
في الحقيقة فإن الرجل منفي على شاطيء بعيد لأنه مصاب بالجذام، ويعنون الروائي قصته تلك التي ستستمر الى نهاية العمر (السائرون لوحدهم في الحياة) بينما يسمع الناس من أحبتهم حين تحاصرهم الهموم والغموم عبارة محببة : لستم وحدكم، نحن معكم. ولكن هذا لايتحقق دائما، فغالبا مايجد الإنسان إنه يسير لوحده معذبا حزينا، يبحث عن خلاص، أو عن صديق يؤنسه في وحشته، ويضطر للمضي نحو خلاصه بلامعين، وبلا سند.
النظر الى القمر المكتمل في الليالي الدافئة متعة مابعدها متعة، ولطالما فعلت ذلك في حياتي الماضية، وحين أسافر في الحافلة في بعض البلدان، وحين يصادف أن يكون القمر مكتملا، والسماء صافية، والدفء يعم المكان، لكن هناك من ينظر الى القمر وهو حزين، أو فرح بشيء ما، أو متأمل لغد أجمل، وحلم قد يتحقق، أو إنه لن يتحقق.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار