مقالات

الفرصة التاريخية: من الدولة الريعية الى المواطن المنتج

بقلم: محمد عبد الجبار الشبوط

قد توفر التظاهرات الاحتجاجية الاخيرة الفرصة التاريخية للتحول من الدولة الريعية الى دولة المواطن المنتج. والدولة الريعية هي احدى اعقد مشكلات المجتمع العراقي التي يجب العمل على حلها.

بل قد تكون اكبر مما يفكر به الشباب المتظاهرون، وايضا اكبر من طرق المعالجة التي تقوم بها الطبقة الحاكمة حاليا.

في الدولة الريعية يعتمد المواطن على الدولة في تدبير امور عيشه، يعتمد على اعطيات الدولة. وهباتها، وخيراتها، ومكرماتها، ورواتبها.

فيكون المواطن عالة على الدولة. وفي هذه الدولة لا يمكننا تصور نشوء مجتمع مدني مستقل وفعال. على العكس من ذلك في الدولة غير الريعية، حيث يكون الاعتماد الاكبر هو من قبل الدولة على المواطن، من خلال ما يدفعه للدولة من ضرائب ورسوم. في هذه الدولة، ينشأ المجتمع المدني الفعال.

بدل الاستغراق في حصر المسالة بالبحث في الجوانب الامنية للتظاهرات، وحتى في البحث عن مطالب المتظاهرين حصريا، يتعين مناقشة المسالة في اطارها الاوسع، لمعالجة كل عيوب التاسيس واخطاء الممارسة، اضافة الى استثمار الفرصة لمغادرة حالة الدولة الريعية.

وتقع على السلطتين التشريعية والتنفيذية مسؤولية هذا التحول التاريخي. المواطن العراقي يحتج على الدولة الريعية حين تقصر في القيام بوظيفتها كدولة ريعية، لان توقعات المواطن من الدولة الريعية اكبر من قدرتها على تحقيقها. وستبقى هذه المعادلة المختلة سببا لتوتر العلاقة بين الدولة والمواطنين، وسببا للتظاهر والاحتجاج، مالم نتمكن من الخروج من دائرة الدولة الريعية.

الحلقة الرئيسية في هذا التحول هي الانتقال من المواطن المستهلك، او الاجير لدى الدولة، الى المواطن المنتج، المستقل اقتصاديا. واقع مسؤولية الشروع بالتحول على الدولة نفسها، عير القيام بخطوات تدريجية تراكمية. نقطة البداية تتمثل في تقوم الدولة بتوفير فرص عمل منتج للمواطن العراقي العاطل عن العمل مع توفير مستلزمات هذا التحول.

وفرص العمل كثيرة في العراق، ولا يحتاج الامر الا الى ان يفكر اصحاب القرار بهذا الامر جديا وعلميا.

احدى اهم فرص العمل التي يمكن توفيرها هي الزراعة والتربية الحيوانية والصناعات الخفيفة والتجارة المرتبطة بها.

يتوقف الامر على قيام الدولة بتوزيع اراضٍ زراعية، وتوفير سلفٍ سهلة السداد، على الشباب العاطلين، وتوفير الخدمات الاولية اللازمة للزراعة. ويمكن للدولة ان تخصص دفعات مالية لهؤلاء الشباب في السنة الاولى حتى تتمكن المشاريع الزراعية الجديدة من الوقوف على قدميها. ويتعين على وزارة الرزاعة تنسيق العمل في هذه القطع الزراعية بحيث تلبي مخرجات الزراعة حاجات المجتمع الاستهلاكية.

كما يتم التخطيط لتصدير الفائض، على ان تقوم الدولة بتسهيل عمليات التصدير بما في ذلك بناء العلاقات الخارجية بما يخدم اغراض التصدير. وهذا ما يمكن ان تقوم به وزارة الخارجية بخاصة بالنسبة للدول المجاورة، ودول الخليج، التي هي بحاجة الى المنتوج الزراعي العراقي.

وتتولى وزارة الصناعة والمصرف الصناعي تيسير اقامة الصناعات المرتبطة بالزراعة والتربية الحيوانية مثل معجون الطماطة ودبس التمر والاغذية المعلبة والالبان وغيرها.

ولا اعتقد ان الشاب العراقي الذي اضطره فقر الحال الى القيام بشتى الاعمال طلبا للرزق سوف يمتنع عن العمل الزراعي الاكثر ربحا وضمانا واستقرارا. ان السوق العراقي متخم بالمنتجات الزراعية والحيوانية والصناعات الخفية الاتية من الدول المجاورة كايران والسعودية والكويت وسوريا وبجودة عالية. وهذا يعني ان السوق الاستهلاكية قادرة على استيعاب المنتوج العراقي المحلي اذا حصل التوجه نحو نهضة زراعية وحيوانية وصناعية خفيفة. ومثل هذا التوجه سوف يغير ميزان المدفوعات الخارجية لصالح العراق، ويوفر فرص عمل كثيرة للشباب العاطل، بل يوفر العملة الصعبة للبلد.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار