الثقافية

كتب الدكتور جبار صبري نصاً نقدياً مطولاً “ساعة السودة.. فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة”

نصاً نقدياً مطولاً "ساعة السودة.. فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة"

((وان – خاص))
د. جبار صبري:

العرض المسرحي الذي قدّم ضمن عروض أيام مسرحية بمناسبة الاحتفاء بيوم المسرح العالمي على خشبة مسرح الرافدين في بغداد، تأليف د. مثال غازي واخراج سنان العزاوي وتمثيل يحيى ابراهيم وشيماء جعفر..
الحلقة الاولى / الحدث الاول
يخضع شرط الوجود في الجنة إلى شرط عبور الحلم بشكل صاف من شوائب الذنوب والآثام. بل يتعدى ذلك الشرط الى تحقيق نوم عميق لا يمكن الخروج منه الا بتدخل ارادة خارجة عن قدرة وممكنات الحالمين. ارادة من شأنها ضرب الحلم باليقظة بل بكابوس مفزع. بل بذنوب تجرّ في أذيالها سلسلة من الذنوب التي لا نهاية لها. كل ذلك لكي تصير أحلامنا بالجنة أحلاما غير قابلة للتحقيق وتظل مجرد أمنيات عابرة يريد المكوث بها كل إنسان ولكن بالنتيجة هي مجال صعب المنال. مجال يراد الوصول إليه بملازمة الكثير من لزم لجام النفس والكثير من قمع الشهوات والمزيد من نكران الذات والكثير من التضحيات..
العالم مكشوف دائما يبدأ بسرير كبير. يبدأ من ذلك الهاجس الذي يؤكد أن علامة السرير هي علامة التناسل. وبالتالي أن هذا التكاثر هو الضربة القاضية التي تخرج الجميع من أحلامها لتؤكد يقظتها: من أحلامها البيضاء والبريئة إلى يقظتها الآثمة والسوداء. وهذا الرمز الذي عبّرت به سينوغرافيا العرض المسرحي استوعب، ابتداء، الفكرة الكلية للعرض والتي لازمته في مجمل أحداثه: فكرة أن الخطيئة بدأت اول ما بدأت من سرير.
وهكذا نحن الذين لا نعاين العرض المسرحي بوصفنا مشاهدين بل نعاينه بوصفنا خرجنا من ذلك الشاهد الحي المسمّى : سرير . قد شعرنا بتلك الاغفاءة المؤقتة او اللذة المؤقتة التي أحالت يقظتنا بالفعل الى مشهد كوميدي – تراجيدي من الاخطاء وتبعية تلك الاخطاء الى ما لا نهاية لها الا نهاية العودة الى النوم المؤقت وتكرار ذات الخطيئة كل وقت. لقد عاينا مشهدا عبر رمزية ما يعرض في مجال فني يتناسب بما يعرض في دواخلنا في مجال مرجعي. وهنا بدأت الرحلة: رحلة كشف عورة السرير التي فضحت ابتداء أبانا آدم وأمنا حواء وان الشجرة بالأصل لم تكن تفاحة بقدر ما كانت سريرا كبيرا نازع نفسيها الى الكثير من الغوايات وكانت اشد تلك الغوايات لعبة الجنس. لعبة أكل اللذة بمسمّى التفاحة وتناسل اشجار الخطيئة من حيث تناسل اشجار الولادات المتكررة لذات الغرض.
ولأن المشهد بدأ بحلم كانت اللعبة كلها خارجة عن كل منطق. لا منطق لما يجري. نحن عموما في زمان منفلت عن كل القوانين. وهو الزمن الذي تجلى برمز مرة، وتجلى بنوم مرة، وتجلى بصور عالقة في سماوات ليس لها مستقر في وجودنا الطبيعي مرة أخرى. اذن، كل ما يجري في الحدث استوجب ان يجري على وفق ارادة الحلم..
ومن العبارة التوجيهية: عبارة الشاهد – الراوي: (أدم وحواء يغطّان في نوم عميق كن هادئا ولا تقض مضجعهما). بدأت لعبة ضرب الحلم والعودة إلى اليقظة. انها كانت عبارة تمهيد يقنعنا الشاهد – الراوي والسلطة في آن واحد بأن الزوجين في نوم مجاز الا أن الحقيقة هما في نوم سرقاه غفلة من ذلك الشاهد – السلطة وقد تجلى رفضه لما هما فيه على نوم من خلال شدة الركل: ركلهما بقوة وفنطازيا الأرجل المرسومة ببدعة من مخرج العرض سنان العزاوي والذي منح الصورة الكلية للمشهد بعدا سرياليا مثلما منحها بعدا كوميديا ساخرا من لعبة الوجود قبل ان تتمدد لعبة السخرية إلينا من خلال لعبة العرض المسرحي بافتراض ما يحدث على خشبة المسرح وهي ذاتها لعبة خطيئتنا الكبرى.
جاءت الرسوم الكاريكاتيرية المتحركة لتلك القدم الكبيرة لتدل على وجود سلطة متعالية عن ارادة الانسان. وهي التي تعمل على تقرير ما يسلكه من درب وهي التي تدفع به مثلما تأخذ بيده الى عوالم ما يحدث له ومنه واليه في رحلة ملؤها الدهشة والعبث والسؤال غير المجدي والمسير من النوم/ اللذة إلى اليقظة/ الخطيئة في أيام لا قرارة لها الا قرارة الخوف والألم.
اذن، انتهى الحلم وبدأت اليقظة، وأول ما بدأت به بدأت بالسقوط: سقوط حر من فضاء واسع لا ملامح له ولا أبعاد له سوى أنه فضاء واسع. ومن ذلك السقوط وجدت المدينة. من سقوط الانسان من حلمه الآخروي الماتع له بالجنة الى مدينة متخمة بالهوس والصخب والجريمة والخوف والخطيئة..
يعود الشاهد – الراوي/ السلطة ليخبرنا عن ذلك الهبوط بدلالة توجيه المتلقي نحو نهاية اليقظة من بداية المدينة، وهذه النهاية المراد منها تدفق بداية الكابوس الذي لا يزعج الزوجين او الخلق وحسب بل يزعج البشرية جمعا كلما لاح بأفق وجودهما رغبتهما الملحة في التناسل والوجود. اذن، المدينة هي الكابوس. هي خلاصة الهبوط من الجنة/ الحلم إلى الارض/ الكابوس. وعلى الزوجين التماهي مع هذه الانتقالة..
تعيش المدينة حالة من الفنطازيا المرادفة لتدفق الحلم: سيارات برسوم متحركة تكاد ان تدهس كل عابر ومن العابرين اولئك الزوجين الغريبين: آدم وحواء. تدهس الوجود والحلم لتستمر الخطيئة، وهذا ما زاد من مخاوف الزوجين الغريبين. وبدلا من أن يكون الهواء في السقوط هواء مشحونا بلذة السقوط الحر كان دخانا أهوجا يعكر صفو الحلم بمزيد من الرذيلة والهوس والجريمة والغموض المعتم.
ومن فكرة منْ السبب تنطرح اللائمة بين الزوجين. اتهامات متفاوتة لإيجاد السبب. تعبير صريح لتحميل أحد الطرفين اسباب انتهاء الحلم والسقوط في اليقظة/ الكابوس. ارض الخطايا والرذيلة والغربة والغموض.. هكذا يرمي أبينا آدم التهمة في حضن أمنا حواء. ومن ذلك الحضن يتم الاعتراف لاحقا ان الجريمة الطاردة لهما كانت الرغبة الجنسية. رغبتهما باللقاء على سرير النوم المؤقت في حلم من فرط لذته شد على الإفراط في التكاثر المغلوط بمزيد من الكوابيس اللاحقة.
&&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة الثانية / الحدث الثاني
ولأن المسافة بين الحلم واليقظة هي ذاتها المسافة بين الغيب والواقع استدرك آدم نفسه لينظر عبر مرقاب التدين صورة إعادة توجيه الشاهد – السلطة لكي يستدر عطفه بالعودة الى الحلم/ الجنة. وبما أن المسافة فيها الكثير من الغموض. وبدلا من مواجهة الواقع صار ينوح نحو مواجهة الغيب. وبدلا من أن تنعكس صورته هنا بما هو صدق المكان والزمان والحقيقة صار يوهم نفسه بالكثير من الدعاء والبكاء من أجل ان تنعكس صورته هناك في الحلم وحسب. ولأن التعبير عن غيب هو تعبير عن حلم لا مصداق له تكاثر الكذب عنده او تكاثر الوهم ومن فرط هذا الاكثار المغلوط لم يفده ذلك البكاء او الدعاء، وهي اعادة لتوجيه المسار من جديد باختيار بوصلة الصدق في مواجهة اليقظة وقد ترتب في ضوء ذلك تدخل الموجّه الاعلى/ الشاهد – السلطة بعبارة: آدم خل يولن هذه السوالف صارت قديمة. حدّث نفسك.
بهذه العبارة استوعبنا المشهد في هذا الحدث على أنه توجيه لعلاقتنا بالغيب لا على اساس المسافة الفاصلة بين الحلم واليقظة او بين الواقع والغيب بقدر ما يمكن تحديثها ضمن مصداقها الحقيقي الآن. في الواقع المعيش. وتحديدا في يقظتنا الصرفة. في كابوسنا غير الراغبين به ولكنه لا مناص من التعامل معه واعادة ترويضه ثانية بما يجعله حلما كالجنة.
الانتقال من صدق الهاوية الى صدق الكابوس بملاذ التدين عبّر عنه الممثل يحيى ابراهيم بتقمص أيقونة رجل الدين التقليدي الصرف. الممتلئ بالضعف والفقر وانعدام الحيلة ازاء مواجهة ما يجري عليه ولزومه البكاء والدعاء أكثر من لزومه المواجهة والعمل وترويض الواقع العملي لإحالته الى واقع خيالي ينزاح بالتدريج نحو الجنة.
إن شجاعة المرأة تمظهرت هنا أشد من شجاعة الرجل، وهذا مما أكده تضمينا الكاتب مثال غازي حين فجّر مقولة: علينا ان نفعل المستحيل. وذلك على لسان الممثلة شيماء جعفر وهي ترمي بذلك الى تقبل الواقع واعادة الافادة منه واعادة انتاجه من جديد ليكون الجنة القادمة والبديلة والتي هي من صلب حقيقة اليقظة او الوجود لكن ذلك الرجل ما تنبه جيدا الى هذا المنعطف في التوجه وأخذ بزمام العلاقة العمودية: علاقة استدرار الغائب من أجل الحاضر وليس استدرار الحاضر من أجل الحاضر. وهو الأمر الذي أوقع التدين بمزيد من الخروج عن مصاديق الحقائق المعيشة والتي أحالها الى سلسلة من الغيبيات المورومة والمتخمة بالكثير من شوائب عدم الفهم او عدم القدرة على مواجهة الذات والحقيقة الآنية وبغض النظر عن متسع احلامها الخارجة عن ارادتها.
يظل الوضع متأرجحا بالشك، بفقدان الأمل طالما أن انعدام قبول الواقع الجديد هو سمة فهم الزوجين لما يحدث لهما. هو الدليل الموجّه لهما. إلا أن انكسار ذلك الفهم المغلوط سوف يساعدهما لا على تخطي هذا الوجع المر والمزعج بل على تخطي عتبة الحلم كله. ولكن دفق الرغبة بالبقاء في اكذوبة الحلم المزعج من الرجل/ آدم ساهم في قوقعة نموذج الخطاب التقليدي الذي تلبسه على شكل رجل دين تقليدي، خائف و لا قدرة له الا تمثل الغيب عنوانا مفرطا بالمبالغة على حساب الواقع المعيش والحقيقة الصادمة. الأمر الذي دعا المخرج سنان العزاوي لإعادة توجيه المتلقي بفرض كاريكاتير يحاكي هذا الرجل المتدين بين قوسين. وهو كلما زاد في بكائه وطريقته بالتعبير كلما زاد غرقه، وان هذه الطريق لا تؤدي إلا إلى المزيد من طمس الحقيقة والمزيد من التقوقع داخل كابوس خطيئتنا المزعج.
ومن تلك اللحظة التي يثبت بها وجودهما معا في عالم الكابوس. عالم الحياة. عالم أنهما مازالا على قيد حبهما او تعارفهما او لقائهما او بالنهاية وجودهما معا وان كان هذا الوجود خارج الجنة داخل الحياة والمقصود منه خارج البقاء داخل الفناء لزم آدم الخوف لا من المجهول والكابوس وهذا التكاثر المدني بالخطيئة بل لزمه الخوف من الفناء من الموت الذي سيقهر وجوده ويحرمه ربما من لذة العودة الى الحلم/ الجنة.
ان الغرق هو غرقنا جميعا اذا ما قبلنا بتلك الصورة التقليدية في التعبير عن مواجهتنا: التعبير عنها من باب الخنوع إلى الغيب بما لا يمنح نافذة للحقيقة الآنية. وهذا وحده سيشكل فناء غبيا لنا. من باب أننا لا نتمسك بإعادة توجيه أنفسنا نحو بوصلة ثانية من مسارات التحديث في اساليب العيش والفهم. من مسارات اعادة صناعة الحلم بقدراتنا نحن لا بعوامل خارجة عن ارادتنا. وهذا التوجيه والاعادة هما من يتكفلان ترويض الواقع في مصداقه الآني وتحويله الى حلم جنّوي.
&&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة الثالثة/ الحدث الثالث
الآن انقلب السرير الى حائط. انقلب الحلم تماما الى يقظة وما بقي الا اتمام لحظة السقوط. في ذلك السقوط تبدو المسافة صمتا أبلها يعجز فيه القلب من النبض، والعقل من التفكير، والوجه من الاتجاه، واليد من الاشارة، واللسان من التعبير، ويتوقف كل شيء ولا يتبقى الا ذهولنا المستمر على السقوط في الفراغ الحر نحو الحياة المقيدة. هذا السقوط فيه من البلاغة ما يمكن حصر ترميزاته في:
وهم الجنة أفلت منّا المكان لحظة وأحالنا في متاهة الزمان. وبالتالي أننا لا نقف على قدم الحقيقة بقدر ما نقف على قدم الوهم.
الخروج من عقلنا الخالص الى لذتنا المؤقتة ساعدنا بالخروج من الحلم/ الجنة الى الكابوس/ الحياة على الارض.
ابدالنا البقاء في مسيرنا داخل الجنة الى الفناء في مسيرنا داخل الحياة.
ذهولنا من افراط لذتنا هو نفسه ذهولنا من افراط سقوطنا.
تدفق المتاهة المؤدي الى تدفق الصراع الزائف والخذلان الدائم.
الخوف من الموت مواجهة لتدمير بعضنا البعض.
ان عالمين من اضداد ما نحلم به يعد مستحيلا تواجدهما في آن واحد. وان بلوغ الارضي أحق من بلوغ المثال عبر الحلم، وتلك الحقيقة التي نخافها ونسعى لمواجهتها دائما.
ولم يكن الحائط الا ذلك الحد الثابت كصخرة صماء ليعلم به الزوجين بدء الحياة من بدء انتهاء حلم الجنة وأنه الفاصل الحقيقي لبلوغ المواجهة وبلوغ التحدي. إنه الفاصل المؤلم بين انتهاء لذة السرير وانطفاء الشهوة وبين معرفة تبعات تلك الشهوة التي فعلت فعلتها بالتدمير والخطيئة والموت مثلما سحبت كل تلك التبعات بغصة الحروب والخطايا. ومن لحظة انقلاب السرير إلى لحظة وطأ أقدام الزوجين على ارض اليقظة كانت المسافة مسافة سقوط تمثلت هنا بنوعين من السقوط:
سقوط العقل والارادة في متاهة الشهوة والجنس.
سقوط الحلم بالمثال الخالص في متاهة اليقظة بالخطيئة المتكررة.
وليت العبرة من كل ذلك تنتهي بحد السقوط بل تمددت أكثر. تمددت بالسؤال الممتلئ بحد القلق من التفارق بين العالمين والذي تجلى على افتراض مقارنة من حيث رغبا الزوجين بصناعة تاريخ لهما من خلال تدوين ما يسألان به ويتساءلان منه:
شيماء/ حواء: تكتب على سبورة السرير/ الحائط. ( بدء التدوين): هناك ما تبقى منا حي يتنفس.
يحيى/ آدم: هو الآخر يكتب: وماذا يتوجب علينا أن نفعل كي نبقي هذا الذي تبقي حي يتنفس.
بقيت اللعبة حتى اللحظة الماكرة تدور في مشكلة المقارنة: مقارنة وجودنا نحن الموهومين جدا بعالم الحلم والجنة وصورتنا المثالية في ذلك العالم وبين وجودنا نحن الغارقين هنا بعالم الخطيئة والواقع بصورتنا الدموية والعبثية حد اللعنة والتي تجردت من كل مثال وجمال.
يتحرك الكاتب مثال غازي ليقنع المخرج سنان العزاوي على ان فرضية الواقع بصورة واقعين متناوبين في سؤالين متغايرين: سؤال الـ هناك في الحلم وسؤال الـ هنا في اليقظة ويتفقان من بعد ذلك ان الصورة العامة لهذا الوجود تبقى صورة المقارنة الفاشلة لا لشيء الا لكي تستمر الخطيئة في الحياة وان استمرارها سيحقق لهما المزيد من الصراع وتلك دالة العرض الفني الذي يلعبان به مع الجمهور لتحقيق غرض الحياة منه. بل لتحقيق صورة التاريخ والقدر المسكين الذي يقود لعبة الزوجين الخائفين في سيرورة الحياة والموت داخل مستنقع حياتهما.
وفي لحظة من فلتات الوهم هنا يبدو ان الزوجين يخرجان من نفسيهما لا من حلمهما. انه السقوط لا من خارج الحياة الى الحياة بل من داخل ذواتهما الى سطح الحياة. ان هذا الخروج – الدخول هو المعادل الثاني والأكثر تعذيبا لهما عن سقوطهما الحر من الجنة في الاعلى الى الحياة في الاسفل. من اللذة المنقوعة بالشهوة الماكرة الى العقل المواجه بالخوف القاسي مما يؤول بهما المصير وتبعات تلك اللذة الماكرة: لذة الولادة لأجل الصراع والموت.
ويعظم هنا الحائط أكثر كلما تعاظمت رغبة التدوين او كتابة الاسئلة الملحة او كتابة الباقي منهما على الفاني منهما. او كتابة الحياة بلغة الخوف مما يحدث فيها ومما لم يحدث بعد وإلى مزيد من الكتابة لأجل مزيد من عبور الخوف او إلى مزيد من عبور الموت بتدوين الحياة على الرغم من أنها خطيئة حياة. وقد انفضحت أكثر تلك المحاولة حين فتحا ابواب الحائط ليتلصصا على الغيبي من جديد. ليعرفا ان المسافة من الممكن أنها لم تعد مسافة بقدر ما هي تجاوز عابر لحلم عابر وقدر عابر. هنا يتعمق أكثر حضور الشاهد – السلطة من خلال حضور عيونه التي تراقب كل خطواتهما في هذه الحياة. انها عيون ممتلئة ببوليسية صارمة تثير فيهما الكثير من الخوف حتى يبلغا مما أفرطا في الخوف واحة القتل والتدمير. واحة العجز الذي يلازمهما ويدفعهما إلى تقديم دمهما وعبثهما قرابين لذلك الخوف الملازم لهما.
العيون او ذلك الرقيب رسوم متحركة لا واقع لها الا واقع مخيالهما ومع ذلك هما حقيقة ونتيجة لما يمران به من كوابيس افزعتهما. انها حقيقة الرقيب في عيونه التي لا تغفل لحظة عن كلّ ما يسلكانه علانية او اضمارا وما يرغبان به او ينويان عليه.
&&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة الرابعة – الجزء الاول في/ الحدث الرابع
حين سقط أبوينا من الأعلى.. لم يكن سقوطهما من الحلم إلى اليقظة او من الجنة إلى الحياة على الارض. بل من السلام إلى الحرب. من اللاتملك إلى التملك. من اللاسلطة إلى السطة. من اللاأنانية الى الأنانية. هنا بدأ العد لا لسقوط الانسان الى قاع الخطيئة وحسب. بل بدأ العد لصناعة الانسان المؤدلج الذي يريد صناعة نظامه السياسي تعبيرا عن تمثيل شهواته العليا وكيفما يسوق تلك الشهوات لتكون متصدرة في خطابها وحضورها وصولا الى سيادتها.
هنا سقطت أجنحة السلام وما فيها من زغب الريش تحت وسادة الحلم وما بقي الا مخالب اثبات الذات من حيث اثبات السلطة وبدأت المعركة: معركة منْ يكون السيد ومنْ يكون التابع. منْ يتفوق على منْ؟ وما هذه المعركة الا تفريغ لكل شحنات الخوف من وجودهما على أرض الحياة. إن الانسان مجرد حيوان غاضب من خوفه. وهذا الغاضب يريد ملء غضبه بتعظيم سلطانه على غيره. هو الخوف المسحوق بقيعان الغضب. هو الغضب الوارد من لحظة طرد وغربة وسقوط ولذة مؤقتة تتبعها غصة دائمة ولأجل التعويض عن كل ذلك القهر أخذ الانسان منذ اولى بداياته عند مفترق أبويه نزعة الصراع. نزعة تدمير نفسه وغيره في آن واحد كتعبير عن كل ما اغضبه او أخافه مما تداعى فيه من سقوط.
اتفق المخرج- المؤلف الى تمكين الرؤية بوضوح من خلال أن ما يأتي من بعد الطرد: طرد أبوينا من الجنة. صراع اثبات التفوق لمن: للذكر أم للأنثى. للسيد ام للعبد. ومن هو الأعلى ومن هو الأدنى ؟ واذا كان خطاب الحلم لا سلطة فيه وان الجميع على مركب السرير الواحد في أمن وسلام الا ان واقع الحال ما بعد السقوط هو ضياع ذلك المركب بسبب النزاع على السلطة. سلطة الذكر ام سلطة الانثى. سلطة قوة التذكير في هذه الحياة الدنيوية ام سلطة التأنيث؟ ويستمر الصراع الى درجة تفجيره بأولى الحروب. حرب الرجل وزوجته. حرب الذات المذكرة والذات المؤنثة في لحظة لا تقرّ ابدا على واقع هادئ ومسالم.
بالنتيجة سواء كان الرجل من يرغب بالصراع او المرأة فان الفاصل الملّح بين الطرفين أنهما لحظة خروجهما من الزمان الخالص الذي لا حدود له ونزولهما الى المكان النسبي والمقيد بالحدود. هذا الفاصل يدفعهما الى تمكين وضعهما في حد ملحوظ يعطي لكل منهما سيادته او تمثيل سلطانه او بتعبير آخر تفوقه تبعا لتفوق رغباته.
ومن عمق تلك الرغبة بدأت المعركة: المرأة تحتشد بإطلاقات نارية وقذائف وصواريخ والرجل يحتشد بخطاب السيادة والحضور المتفوق والرجولة المنتفخة حد الامتلاك والتملك ونفوذ القوة في كل مكان. كل ذلك جاء عن طريق:
الخروج من زمن الله المطلق ومن غير مكان مقيد والدخول الى زمان مقيد ونسبي وهو زمان الانسان/ المخلوق المرتبط أيضا بمكان مقيد ونسبي ومحدود.
تعبير عن تلك السلطة التي طردتهما من الأعالي بحث آدم ابتداء عن سلطة مماثلة يريد التعويض بها عن نفسه الضعيفة والموجوعة بالخوف والغربة وليفرضها كمبدأ تعويضي مباشر عمّا خسره من جهة، وعمّا يريد به استتباب كماله من جهة ثانية.
لطالما كانت المأساة في جو يغدق عليه الوضع السريالي الخارج عن كل منطق جاءت أيضا صناعة المشهد فنيا خارجة عن كل منطق. وكان التعبير بالكوميديا الناعمة وروح الصورة الطفولية في تعبيراتها العامة لتكون صور المشهد كله مجرد لعبة خارج الحلم وخارج المنطق ولكنها بالنتيجة ستؤدي الى كل منطق دموي ومأساوي وشرير.
وجدنا هنا الممثل يحيى والممثلة شيماء وكأنها في قلب الطفولة اللاهية والتي تبحث في التملك ونفوذ السلطة وبمعارك طاحنة ولكنها معارك طفولية يجرها فضاء مخيالهما الى حديقة من اللعب واسعة التدمير والانتهاك. هي لحظة يريدها المخرج ان تكون اضحوكة قدرية بطعم الطفولة كما جعل المأساة كلها اقرب الى مزحة طفولية مبهجة يتغنى بها ابطالها بدء من آدم وحواء وحتى ساعتنا السودة لهذا اليوم.
الرصاصات والقنابل واصوات الطائرات والقذائف وفم المرأة المهوس بطفولة الحروب البريئة.. ولكنها حروبنا ومستقبلنا الذي لا ينتهي من تكرار تلك المأساة الى الآن. كلها جاءت لترسم لنا صورة التعبير عن قلق آدم / يحيى ابراهيم الذي لا يتوانى عن تكراره ابدا: اذا كنت انا كل شيء هناك أيمكن ان اكون لا شيء هنا.
وهكذا استمر في ندائه السلطوي واستمرت أيضا المقاومة الانثوية تطارده بوابل من الرصاص والقنابل حتى ظهر خوفه أكثر وظهرت رغبته أكثر للتعبير عن مطلبه السلطوي الأوحد. هنا عاد الراوي – الشاهد والموجه من بعيد لما يجري من أحداث يمارسها آدم وزوجته لا لشيء الا لفضح تلك النزوات القادمة من تلك الرغبات العميقة والتي تريد الخروج عن طاعة كل ضمير او مقدس او مثال منزه او حلم طويل: ها وينك.. ملك الاصقاع..
يتواطأ المخرج مع الكاتب لتأكيد: ان ما يجري على البشرية من البشرية ذاتها لفرض السلطة كله مجرد اضحوكة ولعب اطفال ونزوات ساذجة تمارسها البشرية جمعاء في لحظة معجونة بالخوف والغضب والهروب من مواجهة ما هو مقدر عليها من طرد وامتناع عن كل حلم آخروي نقي ومسالم الى تمثيل خوفها وغضبها بحروب طائشة لا هوادة فيها ولا قرارة سلام.
انتهت الحرب الاولى وبدأ العد بالحروب الآخرى من خلال العد بالتكاثر عبر الأبناء وجاءت سلسلة المعارك تعبيرا عن سلسلة توارث الأبناء لماهية الحرب في كل ولادة، وهذا الناموس أصبح فريضة وجود طالما أن تشكيل الولادات جاء من تشكيل الحروب او العكس بالعكس.
هنا يتدفق الصراع بسرعة الولادة ولكنه صراع تعويضي عن سؤال ما زال يقلقنا حتى اليوم: نحن أين؟ أفي الجنة أم في الجحيم؟ افي السماء ام في الارض؟ افي الحلم ام في اليقظة ؟ افي الحياة ام في الموت؟ افي السلام ام في الحرب؟ وهكذا يبقى سؤال الـ أين مذبحة مستمرة على طريق الولادات المستمرة. وبسبب من حمل ولذة وشهوة امرأة مخلوطة برجل كانت وولدت وستولد كل حرب. فيصرخ آدم: موكتلج لا تحبلين.. مو وكتها.
&&&&&&

ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة الرابعة – الجزء الثاني في/ الحدث الرابع
استفق يا آدم ان خوفا قديما يولّد خوفا جديدا.
على أنغام تلك العبارة توقف آدم ليتأمل من جديد وضعه الجديد. بدايته الثانية. انكساره الحر. عزلته عن عالمه الأول. اختباره الحقيقي الممتلئ بالتحدي والمواجهة، وصولا الى مجابهة الموت، مرورا بمواجهة الحب والعطف والاحتواء والتنافر فيما بينه وبين ما يحب او فيما بينه وبين ما يطمح او يكره او يجافي او يقترب او يبتعد. إنها مواجهة الكائن بذاته بمعزل عن أي تدخل خارجي. عن قدرية تخيط له ثوب مسيره المقيد. إنه حر بما يكفي لأن يكون مع زوجته كيفما يكون..
اذن، استفق يا آدم. هذه الجملة اعادت إليه قوة النظر مرة ثانية لكي يعيد مقابلة حواء لا على المثال الحالم والمتعالي في السماء بل على الوقع المواجه بالصعوبة هنا على الارض وفي محراب الواقع المثخن بالخوف او القهر او اليقظة المفزعة. وبالفعل ان خلايا حواء من داخل حواء استطاعت ان تفيق آدم من داخل آدم. وبالتالي أن ما يقرر سعادتهما آخذ بالنماء من حشايا دواخلهم لا من نفوذ سلطة خارجة عنهم. وهذا منح اقترابهم من بعض حماية وألفة بعضهم ومودتهم لبعض وكأنهم في وادي الحب واللقاء والولادة النقية من غير ما يجرح وجودهم او مشاعرهم او يقضّ حيواتهم.
انتهى القرار. هكذا يقول آدم بمثل ما تقول حواء: نحن هنا اسفل الجنة. ما بعد الحلم. في الواقع المعيش والمقدر بالفناء مثلما هو مقدر بالحروب. وعلينا ان نصنع من عالم الـ هنا خارج الجنة عالما مثيلا بالجنة واول البدء بهذه الصناعة الجميلة ستكون من حيث:
توافقنا معا أنا وأنت على مائدة المحبة والاقتراب الحميم. فبالتالي ليس لآدم الا حواء وليس لحواء الا آدم.
نحن هنا أسياد أنفسنا. نصنع لأنفسنا من أنفسنا حريتنا الجديدة، في هذا الواقع الجديد.
اذا كان الزمان والمكان من خواص وجودنا فنحن نقبض عليهما بقدر ما نقبض على وجودنا وسيكونان لنا بقدر ما نكون لهما.
هكذا انكسر حاجز الخوف وبدأ الحنين: حنين الحب والقرب الى بعضهما البعض والعودة الى غوايتهم الاولى بل والاكثار منها طالما أنهم قيد حريتهم وقيد رغبتهم وان الوسيلة التي جعلت السلطة العليا تطردهم بسببها ستكون الغاية هنا في هذا العالم: عالم الهوس والدنس والشهوة والنزوة.. وليكن ما يكون.
وكان لابد ما ابتكار الذكريات المريحة: تلك الذكريات التي تعلما منها اسرار الغواية والحب واللقاء. وهذا الابتكار تعضد أكثر حين استرجعا معا حفل زفافهم بحفل من الذكريات، وجعل ما كان هناك في اقاصي الحلم هنا في قريب الواقع، والأجمل من ذلك كله هنا في هذه اللحظة التي من الممكن ان تتجدد كل لحظة طالما انفلتا من سطوة المنع والرفض والرقيب. وهنا وحدهما لا ثالث بينهما الا هاجس الحميمية والزواج ووقوع اللذة المفرطة بينهما.
لا فرق: آدم اعلن بدء لحظة الزواج ثانية او حواء فالعرس قائم هنا مثلما هو كان قائما هناك ولتبدأ مراسيم الزفاف: الرقص والغناء وبعض من المقولات التي تفيض بالحماسة والرجولة وتشجع على اعادة الدخول الى الواقع من خلال اعادة أكل تفاحة الجنس وعلى فراش او سرير الارض بعيدا عن كل حلم. او حتى بعيدا عن الجنة..
كان الموجّه من الأعلى يريد أن يعيد الى آدم وحواء توازنهما من هذا الوقوع المنفعل في نسيان الشاهد – السلطة والتوافق مع الحاضر – الحرية والفرح. لكن ذلك وعبر كل سيل الذكريات وكل تلك اللحظات المجلوبة من هناك. من ذلك الحلم البعيد لتحضر ويعاد تمثيل حضورها هنا والآن. وعلى سرير واقع وان كان مهددا بالحروب والفناء الا انه ايضا مبشر بالبقاء والسلام وان كان مؤقتا.
الموجه يخاطب آدم: شوية ثكل
و لكنهما قد تماهيا هنا عبر نزولهما الى حلمهما الصغير على الارض بعيدا من السماء فكانت اعادة الذكرى باللذة هي اعادة الانتشاء بالحلم المفقود هناك. وبالتالي ان سحر اللذة هنا جلبت ذكريات سعيدة من هناك: من الجنة. وان الاستعاضة باللذة هنا احالت تصورهما الى طائرين او عصفورين من الجنة يتناغيا بالزقزقة فيعبّران عن اقصى مديات حبهما وارتباطهما ببعض.
اللذة تغني كما الذكرى تغني وعلى طرب الغواية والجنس يمكن ان تستمر هلوسة الحلم في هذه الحياة وتكون مقبولة ولكن على فرض أدلجة تأتي من عوامل فهمنا للغيبي واستقعاده باليومي والواقعي. على ضوء عوامل فرض السلطة: الواقع يريد سلطة. وهذه التي لا يمكن الا ان تكون الريح التي تكسر كل حلم وتؤكد سوداوية هنا التي تفرضها نزعة الغرور والغواية في آن واحد.
في الحياة هنا ولأسباب سلطوية بحتة سيكون الوقع محددا بفرضيات مؤدلجة على نحو:
ثمة حدود.
هناك سلطة من نوع جديد: سلطة انفسنا على انفسنا او سلطة فهمنا على فهمنا..
قمع.
امتناع.
حُجب داخلية وخارجية تؤرق كل حرية مطلقة.
زمان ومكان بوليسي مدجج دائما بالخوف والرقابة والسلاح..
الامتثال الى عناوين التجنيس والهوية واوراق الثبوتية وغيرها مما يلزمنا التعريف بأنفسنا كبشر مرقومين ومصنفين ومجنسين لهذه الأدلجة دون غيرها.
جواز قهر الناس من جواز خروجهم عن طاعة غيرهم.
كل المحاولات التي تساعد البشرية على تجاوز الموت- الحلم – الجنة – الأدلجة او السلطة لكي يرجعوا الى سويتهم الاولى الخالية من كل شهوة او تفاحة او جنس او نزوة شرهة تخالف الطريق المؤدية الى نقاء الحلم بنقاء وجودهما فيه. اقول كل تلك المحاولات لا تفيد طالما هناك فاصل يلح كل وقت بالتذكير: ثمة أعلى وثمة أسفل. ثمة هناك وثمة هنا ولا أمل بالعودة.
&&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة الخامسة / الحدث الخامس
الآن لنعيد ترتيب وجودنا ثانية لا من حيث انفعالنا اللاهث وراء خروجنا من حلمنا الناعم في درجة عالية الحضور من الاحساس بالجمال والراحة. بل من حيث عقلنا الرابض الآن وراء كواليس احساسنا الخائف والغريب والذي استوحش متغير ما يجري علينا ولنبدأ السؤال لا عن أنفسنا الضائعة بل نسأل عن أنفسنا الموجودة بوصفها ذوات اليقظة الآن لا بوصفها ذوات الحلم قبل. بوصفها تربض هنا لا بوصفها عابرة عن هناك..
بدأت لعبة أخرى ابتدعها المؤلف على ورقه/ مثال غازي وجسدها المخرج على خشبته/ سنان العزاوي: لعبة منْ أنا؟. هي هكذا الانتقالة من واحة الحس الخضراء والناعمة والحالمة الى واحة العقل الجرداء والخشنة والمتيقظة. وسؤال من أنا سيفضح حجوم الذوات ومقادير ارادتها وسيفضح أكثر تلك النزوات الشرهة التي فلتت ذات حلم او ذات يقظة وكانت من نتائج فلتانها أن دخل آدم وحواء لباس ذواتهم. وسبّب هذا الدخول اعادة قراءة وجودهما من اعادة السؤال: سؤالهما الاول والابدي: من أنا؟
آدم: ( الى حواء ) أنت من تكونين؟
حواء: ( الى آدم ) أنت من تكون؟
ولمّا هما على الأرض او على سرير عقلهما لا على سرير لذتهما الأولى والمنفعلة يتبادل السؤال أدواره في مختلف أطواره ليخلص إلى استفهام أوحد يتجلى بـ : من أنا؟. هل أنا من ذلك النوم في ذلك الحلم؟ هل أنا منك أنت؟ هل أنا من تلك الشجرة؟ هل أنا من تلك الذاكرة ولا ذكرى لها؟ هل أنا على قيد وجودك معي؟ ولما نحن اثنان ولم نك واحدا؟ لماذا انشطرنا اذا كنا معا على لذة سرير دافئ بوجود واحد وعلى موعد مع اللذة الواحدة؟.
أنا منك
أيعقل ان يكون آدم وكل آدم من حواء وحواء وكل حواء من آدم. وبذلك الاستفهام ادركت الذات أنها على قيد الوجود. على قيد الواقع الجديد بعيدا عن كل مديات الحلم وفراغ الجسد من لحظة التفكير. وان هذه اللحظة: لحظة التفكير كانت السبب الرئيس لطردهما من أثير الحلم. من أثير وحدة الاحساس بالحلم والجنة وسحر اللذة غير المكتشفة آنذاك. ان تفاحة تفكير آدم بسؤاله عمّن يكون ومن تكون أناه هي السبب الذي أدى به الى هذه الخاتمة بل هي السبب في تحمل طرده السريع والمرعب حد الخوف والدهشة مما لا يعرف له مستقبل ولا غاية او جدوى.
ولعبة المخرج او الكاتب هي لعبة موجّه لأداء ممثل يريد أن يكون آدم الحقيقي في هذا العالم ولكنه كان آدم الفني في هذا العرض المسرحي. ومن بين تدخل الكاتب والمخرج وانفلات الاداء عند الممثل من سلطتهما كموجهين متخارجين عن حضوره الفني او الوجودي الاّوحد؟ اقنعنا الى حد ما الممثل يحيى ابراهيم/ آدم أنه وجد هكذا وحيدا من غير دالة موجه خارجي؟ اقنعنا أنه لاعب مغفل وذكي في آن واحد: مغفل لأنه فكّر وكان تفكير تفاحا محرما طعمه هناك في ذلك الحلم الذي لا تأنس الارواح به الا بلذة الاحساس وحسب. وذكي لأنه فكّر هنا وكان تفكيره سر اكتشاف ذاته بالمقارنة ما بين الـ هنا وما بين الـ هناك وتعبيره عن وجوده من خلال تعبيره عن ذاته عبر سؤاله القديم الجديد: من أنا؟
ولمجرد الفراغ من التفكير سيعود الاحساس اليهما سريعا وفي عودته تتكرر عودة استرجاع اللذة، وبالنهاية سيكون تجديد العرس لهما وفيهما تجديدا لكل هزيمة او طرد او حرب او ولادات على طريق اختيار اليقظة على حساب الحلم ولتبدأ قصتهما التي هي دورة ثابتة بدأت تدور حول نفسها وستكرر ذلك الدوران الى ما لانهاية. وهذا ما سيجعل منهما يسألان مرة عن ذواتها ويتذكران مرة لذة احساسهما التي تعمل على تدميرهما وقوقعتهما داخل ذلك الدوران المؤلم والعقيم والذي لا خلاص منه الا بالهزيمة إليه.
وليخرج من بعد كل عرس على فرح وبهجة ولكن ومن بعد كل ذلك ولمجرد انقضاء المتعة المؤقتة سيبدأ التفكير: تفكيره بسؤاله من أنا؟ هنا يتدخل المخرج – الموجه على خبث فني وجمالي وطفولي في آن واحد ليؤكد لنا أننا لا بد أن ننسى أننا من نكون ولماذا نكون؟ لا بد ان ننسى عقلنا كثيرا وان التفكير بدالة ذلك العقل سيكون فيه شقاء الجمهور والوجود واليقظة، والاخطر من كل ذلك شقاء دميته اللاهثة وراء المعرفة او وراء سر أدائه: آدم/ الممثل يحيى ابراهيم.
أنزل المخرج سنان مطرا من اثداء مرسومة ومتحركة وشفاه لاهثة ومؤخرات وغيرها وانزل معادلا لهذا المطر قوة الرجل في عامل التخصيب والتناسل والفحولة. انزل ذلك في لحظة ماجنة بالفرح والنسيان واللذة الخالصة من غير تفكير بتفاحة التفكير. وسرعان ما تبدد ذلك الهوس الماجن بالمتعة: متعة لقاء الزوجين بإعادة التذكير: تذكير أن التفاحة لا تنفصل عنهما فهي جزء من مجرى الدم والرغبات وجزء من مجرى التفكير والوجود..
من يذكّر من بذلك التفكير. بتلك التفاحة التي لا تغيب صورتها عن بالهما أبدا. هي ليست ذكرى وحسب. هي وجود مرتبط ومتماه مع وجودهما. ومن يتذكر اكثر سيكون عرضة للعذاب والشقاء أكثر. ان وراء زيادة التفكير زيادة في الشقاء. وبالتالي ان لزوم التفكير بالتفاح هو ذاته لزوم التفكير بما يزعزع راحة الانسان في هذا العالم ويقض مضجعه.
ويتلخص التفكير أكثر حين تختصره الزوجة حواء/ شيماء جعفر بدالة التوحم. تلك الدالة التي تفرض مقاصدها الخطرة من حيث:
لن ينقطع التفكير.
لن تنقطع الشهوة.
لن ينقطع الامتداد عبر زرعه في القادم من الاولاد.
لن يترك الدم طبعه في الحاجة الى تفاحه.
هذا كله سيمنح وجودهما معا في عالم البشرية جمعاء مزيدا من التفاح المعادل الى كل خراب:
التفاح هو القتل
التفاح هو المفخخات
التفاح هو الطائفية
التفاح هو السياسي القذر
التفاح هو كل الجرائم
وساعة السودة على التفاح..
&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة السادسة – الجزء الاول/ الحدث السادس
هناك دائما علامات ارشادية, علامة توجيه المعنى بل توجيه الجمهور الى ذلك المعنى. ولمّا كانت القصة تختصرها ارادة الولادة العالقة بإرادة الاستمرار في الدوران داخل لعبة هذا الوجود. آنذاك كانت علامة توجيهنا: ان ما يحدث في هذا الجنون الشره والمستمر بنوازع النفس انما يحدث بسبب سقوط الأجنة في قاع البطون. بذارها في ارحام كلّ حواءات الأرض. ولقد أدرك كل آدم أن الجنين الذي يتحرك داخل بطن كل حواء هو ذاته السقوط الذي يتحرك في فضاء كل وجود. وان هذا السقوط لن يتوقف طالما ان تفكيرنا بأنفسنا يذهب من تفكيرنا بتعويض حلمنا بيقظتنا او بتعويض خوفنا بولاداتنا..
ومن ذلك الجنين يلتهب الرعب عند كل رجل او آدم في مفصله النفسي والروحي والمصيري:
نحن البشرية مفخخون بالعنف والدمار.
نحن البشرية كل أجنتنا مجرد أحزمة ناسفة تعمل على قتلنا وقتل غيرنا.
نحن البشرية اضحوكة عقولنا الساذجة بتكرار ذات المشكلة.
نحن البشرية ندفع ثمن تلك الأجنة: أجنة الموت طالما تم دفع ثمنها من ثمن لذتنا العابرة والمؤقتة.
وكلّما سقط جنين ما الى الوجود سقطت معه أضداده. مشكلتنا وتكرار تلك المشكلة أن كلّ الأجنة تخبئ اضدادها في نفسها وفي غيرها. وبالتالي لن تهدأ النفس عن حرب او صراع او خلاف او دمار. لن تهدأ طالما انقسمت تفاحة النفس الى الشيء وضده في النفس الواحدة وفيما يغايرها. ومن هنا بدأت كل الحروب وتكاثرت بتكاثر تلك الأجنة كلّ النزاعات.
تولد مع كل ضد تهمته الجاهزة. تهمة الخلاف والاختلاف الشريرين. بل الأنكى من ذلك تولد مواقف الأجنة المؤدلجة والتي أحالت مبادئ الوجود الى مصالح وجود. وهي ذاتها التي احالت الحلم الى يقظة او السلام الى حرب. اذ ان اكتشاف التفكير او التفاحة كان مما يترتب عليه اكتشاف الموقف الايديولوجي. الموقف الذي يطلب السلطة وينازعها ويتنازع بسببها. وابتدأ ذلك الموقف من حيث ابتداء آدم في حلمه الأول وسريره الأول وابتداء حواءته الاولى وكل حواء من بعدها. انه ابتداء الموقف الايديولوجي الذي يتعسكر من ورائه كل جنين. يتعسكر بأضداده ويعلن التهمة مثلما يعلن الحرب.. وهكذا رأى فيما رأى في بطن كل حواء آدمنا الأول عالم الأجنة واستشعر مستقبل او مصير ذلك العالم وامتداده وتمدده الى ما لا نهاية:
الأول يقول للثاني أنا احسن منك
الثاني يقول للأول بل أنا احسن منك
الأول يقول للثاني أنت متعصب مؤدلج
الثاني يقول للأول انت طائفي بغيض
الأول ضرب الثاني
الثاني ضرب الأول
وهكذا لن تتوقف اضدادنا عن شهية التفاحة: تفاحة الاختلاف والشر المتناضح عنها بعنوان ايديولوجيا المختلف. وما يتبقى من بعد ذلك الا ترقب موت الأول في الثاني او موث الثاني في الاول وما من نصر او انتهاء. هذه اذن، هي سخرية قدرنا الدائم. هذه هي جبلتنا التي طبعنا عليها منذ وجودنا الاول وحتى نهاية كل وجود. هذه التي اسمها اليقظة والتي طلبنا السقوط فيها كانت كابوسا ننازع فيه انفسنا بأنفسنا كل ذات اختلاف. هذه هي اللحظة التي يتجاوز الانسان على حلمه. بل هذه هي الحرب الكبرى: حربنا المتماهية في دمنا منذ لحظة توالد الأجنة فينا والى اللحظة التي يبلغ الموقف الايديولوجي فيها.
لكن آدم او نحن جميعا نريد اعادة فهم الصورة: صورتنا القاتلة والمقتولة من خلال اعمام تلك الثنائية التي قوامها: ثمة ما هو فوق يعاين علينا ويسخر منا ونحن اذ نرغب بقلب المعادلة لننسى أننا تحت انما نقلب النفس الى ما يضاددها مثلما قلب المفهوم العلوي كل مفهوم سفلي وهكذا..
يستمر عرض الصراع. ويتيه الانسان قديما وحديثا في متاهة حروبه. يتيه ولا يدري منفذا لخلاصه من ذلك التيه الا المزيد من وقوع المتاهة فيه او له او عليه او حتى منه.. وبعبارة: لا تستسلم. يتوهم الانسان في كل وقت: قبل الآن والآن وبعد الآن. يتوهم لعبه وحياته او يقظته تتراقص بين نزوات وشهوات ماجنة تفرض عليه طوق الفرح المؤقت والنسيان المؤقت وتفرض عليه من بعد حروب ونزاعات تقهره بالموت والجريمة وبشاعة التدمير وبشاعة سفك الدماء لإرضاء ايديولوجيا الاضداد.
اننا بمقدار ما ننسى لحظة الاشتهاء واللذة بمقدار ما نتذكر التفكير بأنفسنا وان تلك الرحلة من التذكير انما هي رحلة من شقاء وحروب، وما تكبير البطن بالأجنة الا تكفير الانسان بالموقف سواء كان ذلك الموقف دينيا او ايديولوجيا او نفسيا او اجتماعيا.. وصولا الى مبدأ العيش الدائم والمؤدي بنا الى هلاك دائم: ان الضد يقتل ضده. ان التفكير في هذه اليقظة هو تكفير.. ويضيق الوجود لتختنق النفس الانسانية بما تريده من مسير وما تريده من غاية وجود.
وكلما كبُر بطن امرأة كبُر هم رجل بل كبُر همهما في هذا الكابوس المرير الذي تصير فيه الولادة واللذة جواز عبور الى القتل والهلاك وفقدان الأحبة. الأمر الذي يدعو الى تدفق الولادات سيدعو ايضا الى وضع لافتات الاسماء على صدور او وجوه او وجود اولئك الاولاد بينما بذات الوقت تستدرك هذه الولادات رؤية الموت البشعة التي تطال الجميع نتيجة حرب الجميع.
ولسوف يتدفق جرحنا نحن الآباء كل يوم في هذا الواقع/ الكابوس/ اليقظة.. كل يوم ونحن نردد بصوتنا المقهور ابدا: ان الرصاص المتطاير من فوهات البنادق في شوارع حيواتنا سوف يطال كل اولادنا. ولسوف يستمر النداء: نداء الحرب: استعدوا.. قاتلوا.. إلي بسلاحي.
وليأتي من بعد ذلك كله الشاهد – الراوي – التاريخ والسلطة ليعلمنا بدالة تصورنا نحن المقهورين بذات كل حرب. ان نتخيل مصيرنا القاتم. مصيرنا الذي يخط لنا طريقنا بصورة: كل الرجال قتلى وكل النساء ارامل وسبايا. وان الطريق ستبقى ذات الطريق طالما ان فرحنا في الولادة هو ذاته شقاؤنا بالموت.
&&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحلقة السادسة – الجزء الثاني/ الحدث السادس
ليت آدم بكى كثيرا. ليت حواء ندبت وناحت وولولت كثيرا. ليتنا نحن الشهود الفاعلين والمنفعلين والرائيين بكينا وندبنا كثيرا. ليت المشهد تلطخ بكل بكاء العالم. ليت الأمر انتهى من قبل ان يبدأ ولم يكن ثمة حلم ولم يكن ثمة يقظة. ولمّا كانت الولادة هي الطريق الوحيدة التي ستؤدي بنا الى كل حروبنا والى كل خسائرنا وتكرار تلك الخسائر كل وقت كانت احزاننا هي ذاتها افراحنا واصبحنا من فرطها والافراط بها نغني.
لم يمنحنا ذلك المخرج عبر فرضيته التي تركها عابرة ومقتضبة. لم يمنحنا الكاتب فرصة البكاء. ولضرورة فنية تلاعب بنا الممثل يحيى/ آدم ليخبرنا عن انتقالته السريعة من هوس فقد الأبناء وسبي او ترمل كل النساء او عنوستهن. من كل ذلك الى اعادة المشهد من حيث ترتيبه اللامنطقي وهو اعادة اللذة كطريق تتعبد كل حرب بذات المجون وبذات الرغبة وبذات الهدف. هي طريقنا التي نهرب منها اليها ونلتقي في مفترقها على ساعة حرب او ساعة لذة او جنس او غفوة مؤقتة وعلى قارعة تكاثر انسان مغلوط الوجهة ومذبوح الموقف كل حين.
ولطالما ان الحرب هي لذة سرير اهوج. سرير استطاع ان يكون كل ذلك القدر الملطخ بالدم والهباء والغفلة واليقظة والتفكير وصولا الى التكفير. اذن، لم يعد لكل تلك المذابح المتكررة من معنى ولنرقص عليها كما ترقص الطير عند ذبحها وليبدأ الفرح: الفرح الفكري من كل ما يجري والفرح الحسي والفرح الفني لعموم اجواء العرض المسرحي الذي أغدق علينا، وعن طريق مأساتنا، كل بهجة وكل سخرية. بل وكل طفولية راقصة وبهية وكأنها الوان الحياة الجميلة لا الوانها السوداء في ساعة نحس وجود وسيرورة نحس دائم.
ولنرقص اذن، يا آدم. ما عليك الا ان تنسى بدواعي التذكير وان تتذكر بدواعي النسيان.. وهكذا لا يتبقى لنا الا الفرح الغامر وان كانت ممرات هذه الفرح لا تجيء اذ تجيء كلها الا عن ولادة مهووسة بحرب وحرب مهوسة بولادة. أنت يا آدم طبل الحرب البهي وانا يا آدم رقص ولاداتها ولنبدأ العزف بل لنبدأ اعلان كل رقص بعنوان بدء كل حرب او كل ولادة.
وبمزيد من السخرية اللاذعة والقدر اللاذع رقصت حواء بشكل كوميدي طفولي ساخر وطبّل آدم بشكل هستيري طفولي ساخر. ولتكن لحظة الرقص هي ذاتها لحظة الذبح ولنغني على مدافع واطلاقات هجومنا من حيث مدافع واطلاق مخاضنا في تكرار وجودنا. وكان الرقص او الذبح او السخرية او الحرب.. قد جاءت من بهاء تلك اللعبة الماجنة بحركات ومشاعر وافكار تبدو رسوما متحركة ولكن هذه المرة لا بافتراض حقيقة وجود وناموس يدور في نفسه على نفسه بل بحقيقة ومصداق وجود يهزأ من نفسه بما يجري على نفسه ولنغني:
هجوم يتبعه من بعد هجوم آخر وآخر: تلك هي سنن الرجولة او الفحولة المتعطشة لكل لذة او لكل ألم..
انتظار وتكرار ذلك الانتظار بعد كل حرب وحرب لأمهات ونسوة وبنات وابناء منقوعين بدماء الهزائم والخطيئة المجترة.
بعد كل حرب سيخرج الحثالة والمخنثين من الجحور ليغتصبوا بوقاحة فقد كل امرأة او بنت وليدوسوا الاعراض بما كانوا عليه من مراقبين صامتين لا فحولة لهم الا فحولة حيوانات الغدر الرخيصة التي تلازم نساء وبنات الضحايا بعد كل حرب.
تتحول كل حواء الى هدف يتأطر برذيلة اعادة الانتصار من حيث اعادة الهزيمة.
الرقص هو ذاته النداء في ملاهي المدينة الجديدة التي تؤرخ لمدينة الانسان القديمة بكل نوازعها الشريرة التي تبحث في الحروب عن ولادات ولذات وشراهة قتل.
وليستمر الصراع هنا ولتستمر واقعة الطبول وعن فرح لا عن بكاء سنؤرخ جميعنا الى تكرار هزائمنا مثلما سنؤرخ الى تلك اللذة المفعمة بالغناء والرقص وضرب الطبول لا عن انتصار بل عن هزيمة نكراء يمكن تمريرها في كل زمان ومكان ويمكن اعادتها وتمثيلها في كل زمان ومكان. وبدلا من ان يشعر الانسان بألم الذبح سيرقص الانسان فوق ذلك كله وبفرح على ما يغني له. وليشد آدم في كل حين على ضرب الطبول ولتشد حواء على الرقص ذبحا من الفرح. ولا يتبقى مما يتناوب بين التطبيل والذبح الا ساعة يملؤها سواد هذا العيش او سواد هذا الناموس ولنغني اذن..
&&&&&
ساعة السودة
فنطازيا السقوط من الحلم الى اليقظة
الحدث السابع والأخير
يجب ان اتخلص من كل هذا. ان العمر وفكرة العمر اثقلت علي حياتي. جعلت يقظتي جحيما لا ينتهي. اوجعتني بيقظتي التي اردتها سعادة وسلاما فكانت حزنا وحربا. ولا اريد ان تكون نهايتي بداية أخرى بل لا اريد لخروجي من تفكيري ان يكون بداية لتمرير شهوتي المدنسة فيحل القهر ثانية وثالثة علي وعلى اولادي ولا منجى من ذلك ابدا.
كان لا بد هنا أن يمرر الكاتب والمخرج والممثلون جميعا نهاية المأساة من خلال توجيهنا نحن المشاهدين او نحن الغاطسين بتاريخ نزعتنا الموبوءة بالتدمير والفناء. وبالفعل جرى التدخل عن طريق اللعب بنا واعادة يقظتنا بما نحن ملعب مستمر لكل فعل: جيء بالمكياج مثلما جيء بفرضية الزمن وصار ايقاظ عقلنا الشاهد جزء من ايقاظ وجودنا ومصيرنا ولننتبه على صورتنا بعد كلّ هذه الخطوات في كلّ هذه المراحل او الاطوار.
نحن الآن على مسافة عرض مصيري او عرض مسرحي قد بلغ ختامه: الموجه/ المرشد – الراوي والشاهد/ السلطة او المخرج / المؤلف او الممثل والممثلة او آدم وحواء بذواتهما او نحن جميعا نؤكد مرور الزمن او مرور العمر بـ 3000 آلاف سنة وما على الزوجين الا اتخاذ قرار الرحيل او قرار الخروج من هذه اليقظة المفزعة وهو أيضا قرار اللعبة الغريبة والمدمرة أيضا.
لقد شاخ آدم بما يكفي وشاخت حواء بما يكفي وسكة الموت قد خطت لعبة النهاية: ألهذا الختام ولدنا او جئنا او طردنا من الحلم الى حلم آخر مصبوغ بساعة سوداء يسيل عنها كل قهر وخوف؟. وحين بدأ العد: عدّ دقائق الرحيل بحيلة مخرج او كاتب او شاهد متعال جدا يرقب ويحرك ما يحدث بخاصية اللعب والطرد.
وليصرخ آدم ثانية ولكن بدلا من صراخه المستفهم لم طردتني من حلمي هذه المرة يصرخ اعدني الى حلمي. بدلا من لم اوجعتني باليقظة وانا لا اريدها اوجعتني الان برغبة العودة الى الحلم/ الجنة.. لكن ما يؤلم كل هذا المصير ان بقيت اوجاعنا ذات الاوجاع على الرغم من سرعة شيخوختنا وسرعة قهرنا. وارتبط مشهد العد بلعبة الجميع قد اشترك في صناعتها: الكاتب. المخرج. الممثلون. الراوي. الشاهد. الموجه. القدر.. ارتبط بدلالة متوافقة على:
الحلم ولادة
الولادة حرب
الحرب ولادة
الحرب والولادة وجود
الوجود الى شيخوخة
الشيخوخة الى العد التنازلي
العد التنازلي الى الموت
المسافة بين الموت والموت صرختنا الأخيرة
ولتكن هذه الصرخة لعبة مدارها:
العودة الى الحلم
العودة الى الجنة
العودة الى الرب
العودة الى اللذة الخالصة من غير تفكير او تفاحة او حرب او تكفير.
العودة الى الموت بدواعي العودة الى الحياة ولتكن هذه الحياة هي الحلم الغائب لا الحلم الحاضر والمزعج.
اذن، يا حواء لا تنجبي: ولكن بمقدار ما تشبخ البشرية بمقدار ما تزداد حبلا كل حواءات العالم وهذه الحبالة مآلها تكرار ذات الخطيئة. تكرار المأساة بقبولنا نحن البشر الغاطسين بكوابيسنا او نواميسنا بالمزيد من تكرار التجربة ذاتها: تجربة الموت والدمار في اليقظة. في حضورنا المؤقت واهمالنا او نسيانا غيابنا الدائم.
يمضي العد بالتنازل مثلما يمضي الزوجان بإيجاد سبب الطرد بل بمعالجة ذلك السبب وان كان العلاج اجهاض كل ولادة. بل اجهاض الخلق كله دفعة واحدة ولأجل الخلاص او لأجل العودة الى الحلم/ الى الرب.. فتصرخ حواء:
ماذا لو رفضت ان اجهض مولودي.. وكل ولادة.
هكذا لا تريد ان تجهض ولودها المسمّى البشرية جمعاء او الحروب جمعاء او الولادات جمعا.. وليكن الموت ما يكون عليه من فناء. ولا استسلام. وتصرخ مرة أخرى:
هل من وسيلة أخرى
لا .. لا وسيلة الا اجهاض ذات الاسباب
اذن، ما الذي يدعوك ان تموت. ما الذي تريده من العودة الى فوق
الحلم
الا تكتفي بيقظة هنا / تحت لا تعادلها كل احلام الفوق هناك.
اذن، أنك تحكمين علينا جميعا بالموت
ومن بين طمث ولادة او شهقة موت انتفخت اكثر بطن حواء. امتلأت بالكثير من الاجنة. بل بالكثير من القنابل والمفخخات والايديولوجيات وغيرها. امتلأت بالخوف والقهر والخطايا. من هنا يلوذ آدم بالرحيل الى الرب. الى الحلم بينما لا تريد ذلك حواء وهي تصر على انتفاخها وحبالتها وتفخيخها. وبالوقت الذي اكثر العد من تنازله بالوقت ذاته:
انفجر آدم بالموت
انفجرت حواء بما فيها من مفخخات
انفجر الوقت
انفجر الحلم

“.انتهى

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار