مقالات

خدعونا فقالوا.. رأينا الإسلام في الغرب ولم نر مسلمين!

((وان – بغداد))

موسى الصفدي/ مؤرخ أردني

خدعوك فقالوا رأينا الإسلام في الغرب ولم نر مسلمين، ثم رجعنا إلى بلادنا ووجدنا مسلمين ولم نجد إسلاما.

كلمات قالها محمد عبده المفتون بالحضارة الغربية، كلمات تعلي شأن دول قائمة على الدماء والأشلاء، أنظمة مدججة بالسلاح تقوم على استعباد الأمم، الفرد فيها كآلة متوحشة لا تعرف الرحمة ولا أي خلق نبيل، آلة مجردة من كل فضيلة، تخاف من القانون، فإذا غاب، اقترفت كل شيء، وانتهكت كل محرم. هذه الآلة وقودها الدماء، وتطرب لصوت أنين الضعفاء، وعذابات المساكين.

كلمات محمد عبده جعلت الغرب المتوحش نموذجا يحتذى به؛ فقد غرَّه بريق لامع زائف، وازدهار عمراني لم يكن ليحصل لولا خيرات أمم وشعوب استنزفت، فلم تزدهر دول الغرب إلا عندما احتل الإنسان الغربي أربع قارات، فأباد شعوب ثلاث منها في الأمريكيتين وأستراليا واستعبد عشرات الملايين من شعوب قارة إفريقيا التي لا تزال ترزح تحت نير العبودية، فكل ثرواتها لا تزال منهوبة، ولا يخفى على أحد أنها أغنى قارة في الثروات الطبيعية، ولكنها الأكثر تخلفا بسبب الغرب.

منذ سبعة قرون لا يزال الغرب يسرق ويستنزف خيرات تلك القارة البائسة، ففرغوا مناطق كاملة في غرب إفريقيا من سكانها ليسوقوهم عبيدا إلى مزارع القطن والذرة وقصب السكر في أمريكا، أما الثروات الطبيعية فمنذ قرون وهي تحت سيطرة الرجل الأبيض، ولا تزال فرنسا تهيمن على المشهد السياسي في إفريقيا، فهي من تسقط أنظمة وتضع أنظمة أخرى، هي من تصنع الفتن والحروب الأهلية كحرب رواندا، وإذا احتاج الأمر تتدخلا عسكريا بشكل مباشر، كما يحصل حاليا في مالي المسلمة، فالحاصل أن كل رفاهية الانسان الغربي سببها تعاسة إنسان مسحوق في دولة من دول العالم الثالث؛

فعندما ترى فتاة أوروبية تتلذذ بقطعة شوكولا سويسرية فاخرة، فاعلم أن تلك القطعة مغمسة بدماء وعرق أفارقة تعساء، يكدون ليلا نهارا من أجل جني محصول الكاكاو ونقله إلى الموانئ الغربية.

وإذا رأيت رجلا في الغرب يتنعم بقيادة سيارة فارهة، فاعلم أن معدنها ووقودها مسروق من بلاد يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، حيث الأنظمة العميلة التي تقدم الثروات والنفط للغرب، وتعطي امتيازات لشركات غربية، وما تحصل عليه من أموال قليلة تضعها في البنوك الغربية، فالغرب يأخذ النفط مقابل أرصدة وهمية. 

رأيت إسلاما، أي إسلام رأيت، إما رأيت انحلالا وتفككا وتعريا من كل فضيلة، وأما رأيت طفلة تكبر، ثم يُنزع منها أغلى ما تملك، وربما كان أخوها هو أول السالبين، وعندما تصبح في سن الثامنة عشرة تطرد من البيت لتختطفها وحوش الشوارع، وإذا أرادت أن تكمل تعليمها الجامعي، قد تلجأ إلى امتهان الدعارة لتحصل على نقود تعينها على إكمال تعليمها، فأي إسلام رأيت!!

إما رأيت حال الأنثى في بلاد المسلمين، وكيف صانها الإسلام في جميع مراحل عمرها؛ فهي ابنة أبيها المدللة وأخت لرجال هي بالنسبة لهم أقدس المقدسات، وهي زوجة لرجل يجعلها أميرة قلبه ومليكة فؤاده، يكد ويعمل ساعات طويلة ليقدم ما يستطيع لرفاهها هي وأبنائها، وهي أم لرجال يقبلون الأرض تحت قدميها يتلمسون رائحة الجنة.

إنها المرأة المسلمة وهذا حالها الذي يحسدها عليه شياطين الأرض، فلا يملون من النعاب والنعيق والنقيق، يطالبون بحرية المرأة، والحقيقة أن تلك الدعاوى تهدف بالأساس لحرية الوصول إليها.

رأيت إسلاما في الغرب تعال معي لنقرأ التقرير السنوي سنة 2016 لمكتب التحقيقات الفيدرالية والذي أشار إلى وقوع مليون و248 ألف و185 جريمة عنف في أنحاء الولايات المتحدة، تشمل جرائم العنف، والقتل العمد، والقتل عن طريق الخطأ، والاغتصاب، والسرقة والتعدي باستخدام القوة. منها 95 ألف جريمة اغتصاب.

وأما مركز جان جوريه للبحوث في باريس فقد أصدر بداية عام 2018م نتيجة مسح إحصائي يؤكد تعرض أكثر من أربعة ملايين امرأة في فرنسا للتحرش الجنسي الذي يصل في كثير من الأحيان إلى درجة الاغتصاب.

ثم يأتي ناعق ينعق أن الشباب المسلم عنده كبت جنسي ناتج عن عدم الاختلاط مع الجنس الآخر، لم يرى هؤلاء حجم الجرائم الجنسية في بلاد الغرب المنفتحة التي تبيح أي علاقة جنسية، حتى لو كانت مع الحيوانات. ثم يحاولون إقناعنا أننا نحن المكبوتون، وأن الغربي إنسان لطيف “كيوت” كل شيء عنده بنظام. 

وهؤلاء الناعقون يسعون لطمس الإسلام وأخلاقه وقيمه في نفوس المسلمين، وصناعة جيل من الشباب مجرد من أخلاق الإسلام وقيمة، مجرد حتى من إنسانيته، فلا هو بقي في دائرة الإسلام، ولا ناله نصيب من رخاء الغرب. 

إن الغريب في كلام محمد عبده أنه جاء في زمن كان القتل فيه على أشده في المستعمرات التابعة للغرب، فبلاده محتلة ويشاهد ظلم وعدوان المحتل الغاشم، وبلاد المسلمين أغلبها محتلة، وترتكب فيها من الجرائم ما يندى لها جبين البشرية، فلم يعلم أنه منذ عصره إلى الآن تم قتل أكثر من مائة وعشرين مليون شخص في أوروبا في الحربين العالميتين وخارجها في المستعمرات بواقع مليون ومائتا ألف سنويا، وكله بيد الرجل الأبيض.

مائة وعشرون مليون خلال القرن الأخير، ومثلهم في أمريكا حيث تم قتل أكثر من مائة مليون هندي أحمر، من القرن السادس عشر للميلاد إلى القرن العشرين.

وإذا فتحنا ملف كل دولة غربية وجرائمها بحق البشرية، فإن الحديث يطول كثيراً، فالقوم لا يعرفون إلا القتل والخراب والدمار، ثم يأتي ذلك المخلوق ليقول: رأيت الإسلام في الغرب ولم أرى مسلمين. وأصبحت كلماته تلك على لسان الليبراليين والعلمانيين والملحدين العرب الذين يحاولون تغريب المجتمع وطمس الإسلام وشريعته السمحة في نفوس المسلمين.

رأيت إسلاماً في الغرب، دعوات تلمع الغرب، فلا تسلط الأضواء إلا على الجوانب المشرقة في تلك الدول، يسلطون الأضواء على العمران والرخاء الاقتصادي وغير ذلك من أمور يجب أن تكون في المجتمعات المسلمة، ولكنهم لا يسلطون الضوء على الجوانب المظلمة في تلك الدول، التي تعيش أزمة حضارية وإنسانية غير مسبوقة، فالتقدم الحضاري كان على حساب الانسان التي تحول إلى آلة مجردة من المشاعر.

هذه الأمور لا يراها العلماني العربي، فعين الرضا عن كل عيب كليلة، فلا يرى إلا عيوب المجتمعات العربية، فيُحمل تلك المجتمعات مسؤولية الجهل والتخلف، ويتمادى كثير منهم بتحميل الإسلام مسؤولية التخلف، فيرون أن الصلاة والمساجد والحجاب والنقاب والقرآن أسباب ما نحن فيه.

ويغضون الطرف عن الأسباب الحقيقية لواقع المسلمين المأساوي، والتي من أهمها أنظمة عميلة وظيفية علمانية، تحارب الإسلام ليل نهار، تفرض الجهل والتخلف علينا فرضاً، وتحارب كل بارقة أمل فينا، فرض للتخلف وتحطيم للنفوس وجلد للذات، شعار تلك الأنظمة الشمولية ومن عاونها من تغريبين. 

رأيت إسلاما في الغرب دعوات وأباطيل تهدف بشكل أساسي إلى زعزعة الثقة بالنفس وتحطيمها، والسير وراء مخططات الغرب، ليصلوا بالمسلم إلى الانسلاخ التام عن دينه وثقافته وتاريخه وحضارته، مسلم مهزوز الثقة بنفسه، فما أسهل من السيطرة على شخص مهزوز محطم مهزوم من الداخل، عندها سيكون أبعد ما يكون عن تحقيق النصر والنهوض بالأمة، فطريق النصر والتمكين يحتاج رجالا هاماتهم عالية شامخة، ثقتهم بربهم لا حدود لها.

فالمطلوب منا أن نتنبَّه لمثل تلك الدعوات ونغلق كل نافذة تصدر منها، ثم نتلمس واقعنا ونبحث بموضوعية عن نقاط القوة فينا فنعززها، ونعالج نقاط الضعف، ونزرع الأمل ونغرس الثقة في قلوبنا وقلوب أبناءنا، ونصنع جيلا مسلما واثقا بربه ووعده الحق، جيلاً لديه فهم راسخ ووعي كامل ويقين أننا خير الأمم. وأن البشرية كلها خسرت عندما تراجعنا. لذلك يجب علينا أن نتقدم بكل ثقة ونقود العالم إلى مرافئ الأمان. ويجب أن نعلم أن النفوس المهزومة لا تُعيد مجدا ولا تُقيم حضارة ولا تُغير من الأوضاع شيئا، وإن الحقيقة تكمن في أن الله سيسخر لتغيير هذه الأوضاع من يستحق بالفعل أن ينال هذا الشرف. سيسخر من هم أحرار النفس والعقل، لا يُسايرون الذل ولا يقبلون بأن يعيشوا على هامش الأمم.

• ملاحظة: كل ما ينشر في الوكالة من مقالات تعبر عن رأي الكاتب.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار