الثقافية

مظهرية السطوح والسطوع في مرسومات فوزية ضيف الله

بقلم الدكتور حازم عبودي السعيدي

تشهد الساحة الفنية المعاصرة حضورا عقب إستحضارات مدارسها الاوربية الضاربة في تارخ الفن لاكثر من 500 عام وتلاقي الانفراج والانفتاح على الذات على الرغم من الدراية بالاصول والجذور من بدايات ونهايات مزعومة بالعقم الفني ,وما تستحضره التشكيلية (فوزية ضيف الله ) النشأة المظهرية والجمالية لموضوعاتها في تناولها سبل الموضوع والفكرة والتعبير كثلاثي فني تنسجم محاوره في اخراج اللوحة اي تكرار شكلي يتبين في سطوحه وان مضمونه ابعد من ذلك في سطوعه , حيث السطحية مثلتها المظهرية تلك الصورة التي تبدو عليها الاشياء في شكولها الخارجية بوصفها علاقة وسمة جمالية فضلا عن انها فعل ظاهري يعبر به عن حيوية الاداء الفني فوق السطوح الممثلة للتعبير اما السطوع يشكله المعنى من ذلك.

وفي مواجهتنا التحليلية للشكلية نجد ان الانطباعية الحداثية وما بعدها في مرسومات (فوزية ضيف الله) كانت مثالا للسطوع الحقيقي والتفسير ضمن مدركات المعنى فوق سطوح الخامات المنتقاة بوصفها الفعل الايجابي لولادة الموضوع حرا , اذ كان للفن كله ان يكون اوبرا الجمال وسحره بل وبنيالا لعديد ما تعرفنا اليه في الفن , واليوم لم يعد الرسم الانطباعي بمدرسته الانطباعية التي ولدت مع (كلود مونيه )في نهايات القرن الثامن عشر ولا حتى مع الانطباعية الجديدة مع (سورا وسيناك )وانما مع اللانطباعية الحداثية التي لملمت زوايا الانطباع وتركته في سجال ايجابي ليس في ارجاء المعمورة السطحية للوحة وانما في المعمورة ذاتها , وقد جىء بضروب منها في امعان المتلقي ومتابعاته إثر ما يواجهه من حداثة مهيكلة فابدعت القول حينما وصفت لوحتها بعبارات نثرية جاءت “انني لاجئ جئت ولاجئ أغادر. كلنا لاجئون. نحتمي من وجع لنهرب الى وجع آخر. وتظل رحلتنا رغم الوجع…مليئة بالألوان. اليست الحياة احتماء مؤقتا.ولجوءا مؤقتا؟ جئنا من الأرحام..من الأحلام..وانتفضنا فنهضنا..فسقطنا…فعدنا نتصارع مع انفسنا لننهض من جديد. كلنا نخشى العودة ونخشى المصير.لذلك لانترقب المصير بل نبحث عنه هنا وهناك.
ان اللجوء اليوم ليس لجوء الجائعين او التائهين. انه لجوء الفكر والمفكرين، لجوء الذين اعتقدوا في اقلامهم وافكارهم. فخذلتهم الساسة وخذلهم الوطن وثورة الجياع. حتى الجياع تنكروا للفكر الذي دافع عنهم…وارتهنوا للخبز وللماء. ارتهنوا لزوايا الليل…ارتهنوا للظلام.


انا الان وغيري من المفكرين والفنانين والمثقفين….نرتحل في اليوم مائة مرة.نقلب الأرض جيئة وذهابا…الى اين سنرحل…هل الى الشعر ام الى الرسم ام الى الحقيقة؟. لكل منا سحابة يلتجا اليها ليشفى …ليحلم..ليطير…
لكن يبقى الحلم افضل من اللجوء..وان كان فيه بعض منه. متى تمسكنا بالحلم..كان اللجوء أجمل..اذا تلون الفضاء كان الهروب اليه أجمل”…..

اما نحن سنتعرف اليها فنيا عبر الخطوط التي فرزت هنا : ان للخط كما معهود انواع ودرجات تابعة تقوم على الاختلاف , والاختلاف بنية تقوم معانيه على اساس المنظور او التشريح او التعبير عن معنى الحركة حيث النماذج تعطينا قوة التعبير ونمطيته ,ولوحتها (لا جئون ) جمعت بها كل مامتوقع من خط فالخطوط الافقية والمستقيمة التي تبينتها نماذجها النصية لم تكن سوى ايحاء للثبات والاستقرار والهدوء والراحة الا انها قد تكون العكس تماما , كما انها تعني خط الافق والمجهول والبعيد ورحلة الانسان اذ ما توقف او مشى , هكذا تضعنا “ضيف الله ” في تساؤل متشعب وحركة مستمرة لقهم وتحليل موضوعاتها , فاغلب نماذجها مكتضة ومزدحمة ومكثفة وتمتلك رؤية بعيدة جاءت بموضوع تفسيري لا تقريري حول اللجوء الفكري الذي تعرفنا اليه في وصفها لاحدى لوحاتها وزعمت ان اللجوء هنا لا يمت بصلة الى الانسان حينما يهاجر تاركا وطنه باتجاه اوطان اخرى يعيش مجاهيلها ويمتطي ازمانها , وانما لجوء الفكر الى المجهول او المعلوم , الى اين في زحمة الصراع الفكري والفلسفي , وارادت بموضوعها الحالي ان تقف على طرفي نقيضين هما الوجود واللاوجود في واقعي اللوحة والحياة , الحضور وعدمه , اذ نقف امام لوحة ملئى بالتناقض لكنها تمتلك وحدة موضوع , حتى ادركنا كمتلقين ان تلك الوحدة استحدثت بمحاور منها المعرفة والوجود والقيمة وتلك تعنى معنى مانرغب في تحليله , حتى ادركنا ايضا ان اللغة التي اطلقتها (فوزية ) هي لغة يراد منها ايصال ماكتبته , فليس من المهم ان يصل الى الاخر بقدر ما اشغلها وتملكها وافاض بها عاطفة وشعورا واحاسيس تعبر عن استبطان الواقع ومنه التعبير عنه وبذلك تمكنت من تثوير الصورة المخيال فشيدت الانتقاء والتأويل بقصدية المعالجة المهارية والاسلوبية بذات الوقت .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار