مقالات

استغلال المرأة جنسيا في الحروب والصّراعات الطائفيّة

بقلم: زينة محمد الجانودي
خلق الله تعالى الكون، وجعل للمرأة مكانة عظيمة في المجتمع، وجعلها شريكة أساسيّة للرّجل في الحياة ومكمّلة له في كلّ شيء، وعلى درجة واحدة في التكريم والإجلال، وعلى مرتبة واحدة من المكانة والصّوْن.
فالمرأة لها دور مهم وواضح في المجتمع، كونها منبت البشريّة ومنشئة الأجيال، وأساس بناء الأسرة وتكوّنها. فهي الأمّ والأخت والزوجة، وتتمتّع بكلّ الخصائص الإنسانيّة لتؤهلها لتكون بأرقى مراتب الكمال البشري. وقد برز العديد من النساء في مناحي الحياة السياسيّة والقضائيّة والتجاريّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
ولكنّ المرأة عانتْ كثيرا على مراحل التاريخ البشري والواقع المعاصر، من ظلم واستغلال واعتداء وانتهاك لإنسانيّتها وكرامتها، وخصوصا في الحروب والصّراعات الطائفيّة.
إنّ المرأة تتعرّض لمشكلات مأساويّة عديدة في المجتمعات التي مزّقتها الحروب، لأنّها في الحروب قد تكون زوجة أو أخت أو أمّ للمحارب، لذلك فهي تشترك في العقوبة مع الرّجل بالتقتيل والتجويع والتشريد.
ويمكن استهدافها في حالات اختفاء أو احتجاز، ولكنّها تختلف عن الرّجل بأنّها تُسْتَغلّ لكي تشبع غرائز الرجال المحاربين من منطلق اغتصابها.
ففي الحرب العالميّة الثانية، تمّ اختطاف النساء وسجنهنّ، وإجبارهنّ على تلبية احتياجات الجنود الجنسيّة، وفي حرب فيتنام أيضا، تمّ إجبار النساء على ممارسة البغاء القسريّ، وفي حرب البوسنة والهرسك، تعرّضت مابين (٢٠،٠٠٠ و ٥٠،٠٠٠) امرأة للاعتداءات الجنسيّة، وفي دارفور اغتصبت النساء أمام أسرهنّ وأزواجهنّ، وفي يوغسلافيا السّابقة كانتْ تُجْبَرُ النساء الحوامل على الذهاب إلى المعسكرات، لإشباع حاجات الجنود الجنسيّة في حافلات كتب عليها عبارات تحقّر الرّجال وتسخر من حمل نسائهم .
واستمرّ هذا الاتجاه في صراعات اليوم، وأصبحتْ السّمة الأساسيّة للنساء، أن يصبحْنَ عُرضة للإغتصاب، والبغاء القسريّ، وكأنّه ارتبطت سمعة الجيوش في الحروب الحديثة بقدرتهم على إحداث أكبر تدمير ممكن بخصومهم عن طريق الاغتصاب.
فقد تمّ انتهاك حقوق الإنسان بشكل فظيع خلال الحرب الأهليّة السوريّة، وشكّل الاغتصاب فيها استراتيجيّة من أجل قهر الخصم، وإجباره على الاستسلام، وقد عانى الشعب السوري بشكل عام والمرأة بشكل خاص من هذا الموضوع، فوفقا للجنة الإنقاذ الدّوليّة، فإنّ الاغتصاب دفع بفرار (٦٠٠،٠٠٠) امرأة سوريّة خوفا من الاعتداء الجنسي.
ووضع المرأة في العراق لا يقلّ مأساة عن وضع المرأة في سوريا، إذ تعرّضْنَ للاغتصاب من عناصر تنظيم الدولة الإسلاميّة أو ما يسمّى بداعش، هذا التنظيم الذي جعل اغتصاب الحرب أهمّ سلاح ضمن استراتيجيته، وذلك باستخدام الاغتصاب كوسيلة للتجنيد من قبلهم، فضمان ممارسة الجنس أداة هامّة للتجنيد بالنسبة لمعظم المنظّمات الجهاديّة المتطرّفة.
فقد تمّ في العراق احتجاز فتيات ونساء، جرى استخدامهنّ في الرقّ الجنسي، إلى جانب تعرضهنّ لاغتصاب وحشيّ على يد هذا التنظيم، منهنّ من استطعْنَ الهروب خارج سيطرة التنظيم، ومنهنّ تمّ إعدامهنّ، وذلك وفق مانقلتْه منظّمة (هيومن رايتس ووتش).
فالاغتصاب كان ولا يزال موجودا بصفة دائمة عبر الزّمن، ومن النّادر جدا أن ينجو أيّ صراع من استخدام الاغتصاب كسلاح فعّال وأداة إرهابيّة في الحرب، وغنيمة من غنائم الحرب،بحيث من حقّ الطرف المنتصر التصرّف بهذه الغنيمة كيفما يشاء.
إنّ استخدام العنف الجنسي يتمّ التفكير به والتخطيط له، لأنّه يتحقّق من خلاله أهداف محدّدة، كالتطهير والتنقية العرقيّة، أو الإرهاب والتعذيب والانتقام، أو القمع السياسي، فتُغْتصب المرأة لكونها جزءا من الشعب العدوّ الذي يجب إبادته وإذلاله وتحقيره.
وقد جاء في تقرير منظّمة (العفو الدولية) الصادر في عام (٢٠٠٢) عن المرأة والنّزاعات والذي صدر في اليوم العالمي للمرأة:” تحمل الحروب والنّزاعات هولا كبيرا بالنسبة إلى المرأة ولا تقتصر مخاوف المرأة على الدّمار والاضطرابات والإصابات والموت، بل تمتدّ لتشمل خوفها من عمليّات الاغتصاب والتعذيب والأذى الجسدي والجنسي والعبوديّة الجنسيّة أو الاقتصاديّة”.
ومن بين السجن والتعذيب والإعدام كوسائل عقابيّة في الحرب، فإنّ الاغتصاب هو الأكثر عذابا وألما وتدميرا للمرأة.
ممّا يشكّل أزمات نفسيّة كبيرة تواجهها الفتيات والنساء، وفي كثير من الأحيان يتمّ التعامل مع مثل هذه الحالات بصمت وخجل وبحساسيّة، لعدم مقدرة العديد من النساء على الإفصاح خوفا من المجتمع المحيط بهنّ، الذي في كثير من الأحيان لا يساندهنّ أو يتعاطف معهنّ، باعتبار الاغتصاب فضيحة، ووصمة عار، ممّا يؤدي إلى العديد من الاضطرابات والمشاكل الاجتماعيّة، وتفكّك الأسرة كون المرأة هي ركيزة البيت ومصدر التربية فيه، إذ تتعرّض الزوجة للعنف من قبل زوجها نتيجة شعوره بفقدان قدرته على حماية زوجته وبيته، فيؤثّر ذلك تأثيرا نفسيا سلبيا عليه تجاه زوجته،بالإضافة إلى انتحار العديد من الفتيات والنساء.
هذه النتائج وأكثر تخرج بها الدراسات والتقارير الدولية كآثار مترتّبة على سلاح الاغتصاب،وكيفيّة تدميره للمرأة وللأسرة وللمجتمع بأكمله.
ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه، عمّا يفعله المجتمع الدّولي، للخروج من هذه المشاكل والأزمات المدمّرة التي يسبّبها الاغتصاب والعنف ضدّ المرأة في الحروب والنّزاعات الطائفيّة؟

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار