الثقافية

الهوية الفنية الانتماء والحضور في معرض الاستاذ الدكتور النحات محمود عجمي الكلابي

بقلم الدكتور حازم السعيدي

في معرضه الشخصي السابع الذي افتتح يوم 23 نوفمبر على قاعة مجيد في بغداد كانت الحكايات والاسطورة والمقدس رائحة المكان وحاضره شكلا وروحا فيما بين ماقدمه الفنان من لوحات فنية ومصغرات من فخار ونحت تماثلتها كينونة التسابق نحو عبق الامس المغطى برطوبة القدم وعتاقة المتخيل , بعد ان الهمها التماثل القريني في علاقة البعض للبعض “الفنون التشكيلية ” بحيث افرزت العلاقة الارثية من حضارة سومر القديمة الى بابل واشور وبلورها بتكافؤ فكري , بمعنى احتضانه لتشكيلات الفنون والحضارات المتعاقبة على اعتبار ان المكان لا يمكن ان يكون مقدسا الا من خلال الهوية والاهتمام بها كهوية وطنية تاريخية فنية صيغت منذ تاريخانيتها قبل الميلاد واختطت لها صفات بوتقها (الكلابي ) بالجامعة والمثالية , حينما سعى الى خلق اشتغالات التوازن الواعي في بواطن ذاته وبعد ان شكل نواة الحفاظ على الهوية عبر احاسيسه وافكاره ومن خلال نمذجة الشكل الذي لم يبارحه في دراساته وتعليمه ولا حتى في تدريسه لطلبته في الدراسات الاولية والعليا مؤكدا شغفه في الانتماء الى الامس البعيد , وهنا اضحت تلك الفردانية حقيقة في تبنيها الوعي واللاوعي طريقا الى اطلاق نضج الفكرة وبالتالي وضع الخطى على طريق التشكيل الفني “الهوية والانتماء ” بوصفها منظومة مصطلحات دالة على التعبير للفرد وعلاقته بالجماعة في علم الاجتماع , وفي اللغة تعرف بانها تشكل الصفة والاسم والجنسية للاشخاص اما هنا اعتمدت بانها دال تاريخي عبر معارض الفنان المتعاقبة , فجاءت موديلات تخطيطه ثوابت وبنية تتكرر في كل زمان ومنها (المرأة )وتشير الى حواء مؤنث الرجل وانثى الانسان , وترمز لكوكب عطارد والربة فينوس او افروديت اليونانية كمهيمنة حاضنة للخصب وانها فينوس الارض والسماء تمثلها الفنان هوية للارض واللغة والتاريخ والحضارة والثقافة فشاكلها في مصوراته الاثينية (مستلقية وبهيئات جانبية وذات اطراف مستدقة يظهر منها جسدها العاري محملا بصدر وبطن دونما رأس اوقلما تحمل رأسا فضلا عن انها الآلهة الام في البدايات الاولى لعصور العالم القديم وظاهرة للخصب والقداسة وباعتقاد ايضا ان المرأة هوية المجتمعات على الارض , تناولها (الدكتور الكلابي) في مرموزاته لتعنى بالانثى فهو صورها كفتاة لكنه لم يفرق في كونها شابة او كبيرة السن او باكرا او غير ذلك , وما اراد به ان جعلها موحدة في صفاتها البيولوجية ورمزا اتفق عليه ومن خلال طقوسه التي عنيت بالاشارة الى رموز انثوية في تاريخ العراق القديم ومنها فتاة سومر” شبعاد” او “بوابي “2600 سنة قبل الميلاد , فضلا عن “كوبابا ” حاكمة شعب سومر في مدينة كيش سنة 2500 قبل الميلاد , وكذلك “تاشلولتوم ” زوجة الملك الاكدي سرجون الاول سنة 2400 ق.م , وبارانامتارا ملكة لكش وزوجة اندا ملك كيش سنة 2384 ق.م ,وانخيدوانا كاهنة معبد اله القمر في مدينة اور السومرية سنة 2280 ق.م و”شبتو “زوجة الملك زميري ليم وملكة مملكة ماري السومرية .

اما حيوان الثور هو من المرموزات التي اكثر واسهب في تناولها فخارا ونحت فخاري وتخطيطا لانه يعني القوة والفحولة وبعد ان جمع (الكلابي ) بين الواقعي والمتخيل في تخريجة وضفها مقرنة شكلا ومضمونا اذ انه لم يصوره بهيئة مركبة او مهجنة او غير ذلك بل مطابقة لواقعها البيئي , من الملاحظ انه يشير الى الرجل او ادم هنا شاغلا بذلك المتلقي لنصوصه الفنية بهيمنة الثور كقوة شغلت فنان الحضارة العراقية بسلالاتها فتمثلها على الاختام والمسلات والاحجار, اذ اريد به رمزا لا فت للنظر بعيدا عن السرد الحكائي , اي رمز مجرد لا يحكي قصة او مروية حددته حركته في المشهد المصور من قبل الفنان (الكلابي ) في اعتقاد منه بتماثل الموروث كون النص المشكل في تحولاته , يتحول من الماضي الى الحاضر واعتباره ممارسة دلالية يمنحها الرمز خاصية الحضور بفعل الاستعارة .

عليه ان (الكلابي ) استدعى الاسطورة في توظيفاته الحالية متأثرا بملحمة كلكامش والادب العراقي وفنون النحت القديم , لتجىء استعاراته تناصا موضوعيا حمل بين جوانبه سايكولوجية المعرفة واراد به مسايرة استرجاع الذاكرة متخذا من اساليب الفن محورا للتحاور وعكس صورة التاريخ ببعثه فنيا وجماليا عبر طروحاته المتعلقة باصوله وقواعده واشكاله وانواعه بقصد بعث واشاعة ثقافة الفن التشكيلي بمحاوره الرسم والنحت والخزف وبقصد تنمية الذوق في تأسيس العلاقة بين الثلاثي السالف الذكر والذي يبين ان (الكلابي ) فنان شامل لم يستثني فن دون اخر واقامة الحوار المتواصل بينها لرفع الغموض عن طريق تأسيس المعرض الشامل للفنان الشامل .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار