الثقافيةمقالات

الخزف العراقي وحدة التنوع والحضور”معرض حكايا الطين ” انموذجا

بقلم : الناقد الدكتور حازم عبودي السعيدي

عرفت بلاد الرافدين بديمومة ولاداتها الفنية لما تستحضره من بنيات جمالية وفنية غايتها الحفاظ على الارث الحضاري منذ فجر السلالات الاولى على ارضها المخصابة وحتى يومنا الحالي وبما تتوافر فيه من خامات اختلفت باختلاف جغرافية المكان , الا ان مايميزها كان الانجاز الفني الذي خضع بطبيعته الى ماتصوره الافكار عبر مراحلها الحضارية التاريخية وتاثيراتها السياسية والدينية ثم الذاتية الشخصية التي تمكنت من اثبات حضورها , اذ تخلل ذلك التنوع الاسلوبي للفخار والخزف وجودا حيث انجزت حينها لا غراض محددة وغير معبرة عن احاسيس الفنان ,وبفعل التطور الحضري استقدمت هوية الفنان بعد بلورة تاريخانيتها في العمارة والنحت في المعابد والقصور والقلاع والاسوار ومنها سومر وبابل واشور واكد , الا ان ما بقى منها كان مؤشرا اتقانه مهما كانت حجومه وخاماته .من هنا اكدت الاثار والدلائل التاريخية الدرجة المتقدمة التي وصل اليها فن التشكيل العراقي القديم .

في معرض جمعية التشكيلين العراقية (حكايا الطين ) كانت القصة تتكرر مجسدة تنوعات اسلوبية لعديد من الفنانين العراقيين الرواد والشباب من مختلف محافظاته الشمالية والجنوبية والوسطى , غايتها الاحتفاء بكرنفال فني سوسيوجمالي يبعث بمراده نحو قراء النص الفني من نقاد ومتذوقين ومواطنين ويعرب عن كينونته في ان الفنون الخزفية مظهر تراثي ومعاصر يعبر عن شخصية الفنان المعاصر مدللا عن مهاراته وتقنياته في التطبيق مستهلا محاكاة بعض الاشياء في الحياة اليومية المعيشة ومنها (قناني \ اسطوانة الغاز , انية كاندنسكي ,الكتابة المسمارية , النخلة السومرية , زورق الاهوار , التي نفذت باسلوب النحت الفخاري , النحت على الويل الكهربائي , ولو تتبعنا اخريات لوجدنا الخزف المقيد الرمزي الباعث بالحياة الجامدة في منطق لغة الرسم هو من شغل المساحات البينية فيما بين عمل واخر لكنه ادى وظيفته التي دفعت به الى التواجد كمنجز تصنيفي يشير الى اتباع الصياغات الخاصة بافكار اصحابها .التي حددتها عوامل خارجية وداخلية فرضت صوريتها كاسلوبية معينة انتجتها البيئة الحاضنة فيما بعد واضفت سماتها حيث كان لهذه العوامل تأثير واضح ومباشر على طبيعة بنية الخزف ومكوناته الاساسية وشكله وتصميم نماذجه وبالتالي اظهاره بما يتوائم معها .

هذا وان تميز الشكلية الحداثية في الخزف بات واضحا عبر تفاوت حجومها والوانها واساليبها وكتلها وملامسها , فمنها ما جاءت هندسية خالصة تحاكي الاشكال الهندسية كالمكعبات والهرميات ومنها ما اقتصرت على كونها مستطيلات باسلوب متوازي المستطيل والمعين والمكعب ومنها ما انزاحت الى الاسطوانات , فضلا عن انها ذهبت بعيدا الى تبني التشكيل النحتي اكثر من اتجاهها الى الخزف او كان لها حضور عماري, بلا شك عدت اغلب الاساليب الممنهجة في المعرض انها خبرة ومهارة تمثلها التشكيل على غرار الرسم والنحت والفخار في محورين هامين الاول كلاسيكية الماضي والثاني حداثية الحاضر وكلاهما يبرران الافق الجمالي بوصفه فلسفة ترفض قبول الاعتقادات التي لا تثبت صحتها الا وفق الاستدلال ومنه الفني , عليه ان التنوع في الشكلية كان حافزا للتغاير ذلك ان الفن تجربة التذوق الذي يستطيع القيام بتحليل وتفسير الحالات النفسية والادراكية والانفعالية والمخيلاتية .
لقد اكد الخزاف العراقي المعاصر في الحفاظ على هويته الفنية على الرغم من شحة التماس العالمي في المهرجانات العربية والعالمية وقلة الاهتمام بالثقافة في العراق فلا نريد عزل العراق وفنانوه كونه السباق لاظهار الفن العراقي في المحافل الدولية اينما تقام , وان مايقوم به الفنان هو سيرورة حركته وتماسه مع المراكز والجمعيات المحلية في اقامة المعارض المشتركة او الانتساب الى بعض الهيئات الفنية من اجل المحافظة على هويته الفنية وما حضوره الفني الا فيض واعد روادي, ومن خلال معرض (حكايا الاطيان ) طالب البعض ان تسعى وزارة الثقافة ونقابة الفنانين والتشكيليين ومنظمات المجتمع المدني والجهات السياسية الى ابراز مكانة الفن واحتضان الفنان ورفده اعلاميا ومهنيا , لان الحضارة لا يمكنها ان تستقيم الا بالعناية والرعاية .
ونتيجة لما قدمه الخزافون العراقيون (ماهر السامرائي زيد لقمان اكرم ناجي امين عباس ندى عسكر غسان ال سعيد تراث امين تركي حسين شنيار عبدالله دلير سعد شاكر نبيل العابدي وغيرهم في معرضهم وجدنا ان علم الجمال وتاريخ الفن كانا حاضرين بعد ان كنا على استعداد تام باعتقادنا المتعلق بالفن كونه وليد لحظته وموضوعاته وليدة تجمعه , فالوحدة في الخزف فسرته قيمة اللقاء ومطلقه في حين جاء التنوع نسبيا بوجود الفوارق البنائية المتمثلة بفردانيتها والمتمثلة بالتقنية والاسلوب على الرغم من التشابه المادي الذي ترك تراكماته واشترك في خصائصه المعنوية الامر الذي لا يقل ضرورة في مجال تذوق فن الخزف في ان يكون “حكايا الطين ” كرنفالا عالميا ومهرجانا للتشكيل العالمي يقام على ارض الرافدين .
وعبر ما تقدم من تفصيل دأب الفنان العراقي المعاصر على عكس ثقافته في التخاطب والرسائل واوجز تاريخه الفني الشخصي في خضم ماتجري من تغيرات ومجريات للاحداث فما كان منه الا ملاحقة المستجدات ورصد فعلي الزمان والمكان موائما متواصلا مع اقرانه في الساحة الفنية معبرا عن افكاره وفلسفته الموضوعية بحكايا كان للطين شأن فيها .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار