السياسية

كتب عادل عبد المهدي مقال على صفحته الرسمية “كوريا الشمالية.. حرب ام تسويف ام مفاوضات؟

بسم الله الرحمن الرحيم
كوريا الشمالية.. حرب ام تسويف ام مفاوضات؟
صواريخ تموز الماضي “هاواسونغ 14″ و”تيبودونغ 2” (7600 و+10000 كم على التوالي) والتي تصل لعمق الاراضي الامريكية (10367 كم بين البلدين)، وتصريحات الرئيس “ترمب” بان الخطط والاستعدادات “لقمت” (كتورية لتلقيم المدافع) وان “غضب ونار” ينتظر كوريا الشمالية، تشير لتطورات خطيرة.
طالما خدعتنا الصور الـ”كاريكاتورية” و”التسخيفية” التي يصنعها اطراف الصراع ضد بعضهم. وكثيراً ما يسيء خصوم الغرب تقدير قوته، والعكس صحيح. ويخطىء من يعتقد ان المصانع والشركات العملاقة ومنها الاعلامية وللتواصل الاجتماعي ومراكز الدراسات الغربية هي مجرد عوامل ضغط، بل هي مطابخ قرارات للسلطة التنفيذية. فهي عندما “شيطنت” الاتحاد السوفياتي، والصين وايران وبقية الخصوم، او عندما “تشيطن” كوريا الشمالية اليوم فهي لا تنفذ اوامر حكومية، بل هي صانعتها. بالمقابل فان خصوم الغرب او امريكا ليسوا “مجانين”، فهم يعرفون مصادر قوتهم الداخلية والخارجية، التي تختلف في اشكالها وطرق عملها فتسبب سوء التقدير لها. لذلك سقط بعض خصوم امريكا والغرب لاسباب وعوامل.. وسينجح اخرون بالمقابل، لاسباب وعوامل، ليفرضوا عالماً جديداً كما يبرهن التاريخ.
فاذا ازحنا “الشيطنة” والصور الـ”كاريكاتورية”، وجعجة التصريحات، فقد نستبعد الحرب الواسعة، رغم خطورة الاوضاع. فقرار الحرب تاخر كثيراً.. ولو كان ممكناً لاتخذه الرئيس “بوش” او “اوباما”.. بل لاتخذه “ترمب” بعد التجربة السادسة للصواريخ، وقبل ان تصل “بيونغ يونغ” لقدرات ضرب العمق الامريكي، او لحشد المدافع والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى على طول حدودها، والتي تبعد 55 كم عن “سيؤل” وحوالي 1000 كم عن اليابان و3430 كم عن جزيرة “غوام” الامريكية.. ولما ابدت امريكا استعداداتها لتنازلات تجارية كبيرة مع الصين (منافستها التجارية الاساسية) لتقنع الرئيس الكوري “كيم” بالتهدئة والتفاوض.. ولما غادرت حاملتا الطائرات “كارل فينسون” و”رولاند ريغن” المنطقة (حزيران الماضي).. ولما صرح وزيرالدفاع “ماتيس” بان الحرب لو وقعت، لا تشبه اي شيء رأيناه منذ الحرب الكورية (1953)، مرجحاً الخيار السياسي.. ولما لجأت امريكا لمجلس الامن لمزيد من العقوبات، بل لذهبت لحرب بغطاء دولي وبدونه، كما فعلت في افغانستان والعراق. لو كانت الحرب قريبة لما صوتت الصين وروسيا على اخر قرار للعقوبات، فالتصويت لن يغير كثيراً بالنسبة لـ”بيونغ يونغ” (المبلل ميخاف من المطر)، لكنه سيحسن موقعهما في المفاوضات. فكوريا الشمالية قد تكون دولة شمولية، لكنها دولة منظمة وقوية، فلو كانت الحرب قريبة، لما ذهب المزارعون للحصاد، وقد حل موسمه، بل لسمعنا عن تعبئة واستعدادات لا يمكن اخفاءها.
نميل اما لخيار التسويف، كما حصل منذ استلم الرئيس الكوري الشمالي “كيم” السلطة في 2011، بعد انهيار المفاوضات السداسية 2000-2009، او العودة اليها بين الدول الست (الكوريتان وامريكا والصين وروسيا واليابان).. او غير المباشرة، كما حصل في مانيلا (الفلبين) في آب الجاري، واجتماع وزراء خارجية الـ”اسيان” (دول شرق اسيا) الذي حضره وزير خارجية كوريا الشمالية وامريكا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرهم. فكوريا الجنوبية، ورئيسها الجديد “مون جاي ان” عنصر تهدئة ومفاوضات مع ابناء الوطن الواحد.. وقد يكون القناة الرئيسية لحلول جزئية او شاملة. وهو ما تضمنته مهاتفته الطويلة لـ”ترامب” معترضاً على تصريحاته.
قناعتنا ان المبادرة هي بيد كوريا الشمالية اكثر منها بيد امريكا. فالاولى قد لا تمتلك خيار النصر، لكنها قد تمتلك الرد والصمود. وهي، كالصين وفيتنام دول يمكن تسميتهم بـ”ممالك النمل”. لا يمتلكون صواريخ امريكا، لكنهم يمتلكون نفساً طويلاً يفتقده خصمهم. فـعندما ابتعد “ماوتسي تونغ” عن السوفيات (اوائل الستينات) وبدأ بتجاربه النووية، اعلن سياسة حفر الانفاق وخزن الحبوب، ليُفقد الضربات النووية فعاليتها.. فكوريا الشمالية تمتلك خيار التسويف والمفاوضات وشد الاحزمة لتترك الباقي للتفاعلات الاقليمية والدولية. بالمقابل تمتلك امريكا خيار العقوبات الذي لن تنهار “بيونغ يونغ” بسببه، او زيادة التهديدات التي ستفقد معناها مع كل تجربة جديدة.. او القيام بعملية محدودة “لماء الوجه” كما في “الشعيرات” (سوريا). فالحروب النووية قراراتها انتحارية للجميع، اما الحروب الاخرى، فينتصر فيها من يمسك الارض والبشر والنفس الطويل والقضية العادلة.
عادل عبد المهدي

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار