مقالات

انا، ونحن … واوكرانيا

محمد عبد الجبار الشبوط..
ينشغل الكثير من العراقيين، في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، بالحرب الروسية في اوكرانيا.
اما (انا) فلم أُشغل نفسي كثيرا بالحرب الاوكرانية. قرات بعض الاخبار والتقارير في البداية، والان اكتفي بقراءة عناوين بعضها. والسبب لانني اعيش الهم العراقي اكثر مما اعيش الهم الاوكراني، او اي هم غيره.
ذلك انني اشعر، او اعتقد، ان المجتمع العراقي، واعني به الافراد والسلطات معا، يعاني من مشكلة متأصلة قديمة يحول وجودُها دون حل المشكلات الاخرى. هذه المشكلة اكثر اهمية عندي من الحرب الاوكرانية، وكذلك اكثر اهمية من العديد من المشكلات اليومية التي نعاني منها. اطلقت على هذه المشكلة اسماءً متعددة في مناسبات مختلفة، ومن هذه الاسماء: التخلف الحضاري، والانسداد الحضاري، والخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع، و المشكلة الام وغير ذلك.
واعتقد انه لا يمكن حل اية مشكلة في العراق، كالفقر والفساد والبطالة وغير ذلك، دون حل “المشكلة الام” لان كل المشكلات الاخرى ليست سوى افرازات فوقية لهذه المشكلة.
من الممكن ان تقوم الحكومة بدور اساسي في حل المشكلة الام، وبالتالي في حل المشكلات الفوقية، لكن ليس من السهل تصور قيام حكومة صالحة تقود الاصلاح في مجتمع يعاني من المشكلة الام، لان الحكومة هي في التحليل الاخير نتاج مجتمعها، ومن الصعب تصور قدرة مجتمع مصاب بالانسداد الحضاري على انتاج حكومة حضارية تأخذ على عاتقها معالجة المشكلة الام مباشرة دون مقدمات.
اذاً لابد من المقدمات. والمقدمات التي اقصدها هي وجود جماعة في المجتمع تتولى ابتداءً قيادة عملية الاصلاح والتغيير لحين امتلاك المجتمع القدرة على انتاج حكومة صالحة. اطلقت في مقالات سابقة اسم “امة التغيير” على هذه الجماعة، او “الاقلية المبدعة”، كما يسميها توينبي. وهي مجموعة من الناس يمتلكون ثقافة ووعيا متقدما، وارادة وقدرة على الشروع بالعملية التغييرية، اي تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع، الذي سوف ينتج بدوره حكومة صالحة قادرة على اتمام عملية التغيير واعادة بناء الدولة على اسس حضارية حديثة.
هذا هو ما يشغلني اكثر من الحرب الاوكرانية بل واكثر من المشكلات الفرعية التي يتحدث عنها الناس.
البعض يقول ان هذا الكلام لا يقدم حلولا عملية لمشكلاتنا اليومية. وهذا صحيح؛ فليس من واجبي ولا ضمن قدرتي تقديم حلول عملية فورية، لان هذا من واجبات الحكومة. لكني املك ان اقترح الطريق الذي يقود الى تقديم الحلول العملية، وهو الطريق الذي يتضمن الخطوات الثلاث التالية: تشكيل امة التغيير، مباشرة تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع، امتلاك زمام السلطة التنفيذية والتشريعية من خلال الانتخابات.
قصدي من هذا ان يتبنى اصحاب الفكر والثقافة والوعي والارادة هذا المقترح، ويشكلوا امة التغيير، وينتقلوا بعد ذلك الى الخطوة الثانية، اي تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع.
وقصدي ايضا ان يتبنى الجمهور الواسع من الناس هذا الاقتراح، ويسيروا مع امة التغيير في عملية الاصلاح، وصولا الى خطوة السلطة حين تكون اصواتهم الانتخابية الاداة السلمية والديمقراطية في تغيير الطبقة السياسية غير القادرة، وتشكيل السلطة التنفيذية والتشريعية التي تتبنى مشروع اعادة بناء الدولة في العراق على اسس حضارية حديثة.
ليس عندي غير هذا الموضوع لكي اشغل ذهني به، وسوف استمر في الحديث عنه بغض النظر عن قلة الناصر الى ان يتوفر الجمع من الناس المقتنع بالفكرة والذين سوف يأخذون على عاتقهم الشروع بتحقيقها.
لا تدعوني سوء الاوضاع وترديها وتدهورها الى ترك هذه الفكرة، لاني لا اجد طريقا غيرها يمكن ان ينتشل العراق من الهاوية التي استقر بها، حيث لا مخرج منها الا ما اقول، والله اعلم.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار