مقالات

المضمون الحضاري للاغلبية البرلمانية

محمد عبد الجبار الشبوط.
قلت في مقال سابق ان الاليات الديمقراطية هي في نهاية المطاف لعبة ارقام تفرز نتائجَها صناديقُ الاقتراع . وهذه يحدد مصيرها الناخب (عمره ١٨ سنة فما فوق) الذي يتوجه فعلا الى صندوق الاقتراع”.
وهذا هو الجانب الشكلي او القانوني للاليات الديمقراطية.لكن هذا الجانب لوحده لا يكفي ولا يحقق الهدف الاسمى من الديمقراطية. وقد تحدث باحثون، امثال الكاتب الاميركي فريد زكريا عن الديمقراطية غير الليبرالية، illiberal democracy وهي الديمقراطية الانتخابية التي تكتفي بلعبة الارقام، وتهمل الجوانب الاخرى الاهم في الديمقراطية. وقد برهنت التجربة الحالية في هنغاريا عن امكانية اللعبة الديمقراطية النحيفة thin democracy ( كما يصفها لاري دايموند) ان تنتج حكما اوتوقراطيا. بل ان التاريخ قدم لنا تجربة هائلة في امكانية ولادة حكم دكتاتوري مطلق من رحم الديمقراطية كما حصل في المانيا على انقاض ما يُعرف باسم جمهورية فايمار وهي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب. سميت الجمهورية الناشئة باسم مدينة فايمار الواقعة بوسط ألمانيا والتي اجتمع بها ممثلو الشعب الألماني في العام 1919 لصياغة الدستور الجديد للجمهورية والذي اتبعته الجمهورية حتى العام 1933 حين تمكّن الزعيم النازي أدولف هتلر من إحكام سيطرته على مقاليد الحكم في برلين بعد توليه منصبي المستشارية ورئاسة الجمهورية، عن طريق الانتخابات. وكان هذا الحدث نهاية جمهورية فايمار، اي نهاية الديمقراطية في المانيا.
هذا يحتم علينا ان نتحدث عن المضمون او البعد الحضاري للديمقراطية، النابع من اعتبار الديمقراطية جزءاً اساسيا من فكرة الدولة الحضارية الحديثة. فنحن لا نتصور امكانية قيام هذه الدولة بدون الديمقراطية الحقة، اضافة الى الاسس الاخرى للدولة مثل المواطنة والمؤسسات والقانون والعلم الحديث. وبالتالي فان التوجه الى خيار الاغلبية البرلمانية يجب ان يتعزز ويتزامن مع التمسك بالمضمون الحضاري للديمقراطية الحقة thick democracy التي تتضمن النقاط التالية حسب لاري دايموند:
1. الحرية الفردية في الاعتقاد والرأي والنقاش والكلام والبث العام، والتجمع، والتظاهر، والتنافس، والانترنيت.
2. حرية الجماعات الاثنية والدينية والعرقية واية اقليات اخرى في ممارسة شعائرها الدينية وقيمها الثقافية وفي المشاركة على قدم المساواة مع الاغلبية في الحياة السياسية والاجتماعية.
3. حق جميع البالغين من الذكور والاناث في الاقتراع والترشيح للمناصب.
4. الشفافية و التنافس الحقيقي في المجال الانتخابي، بما يمكن اية جماعة تلتزم بالمبادئ الدستورية من تشكيل حزبها السياسي والتنافس الانتخابي لتولي المناصب.
5. المساواة القانونية لجميع المواطنين امام حكم القانون، حيث تكون القوانين واضحة ومعروفة للراي العام، وشاملة، ومستقرة، غير ذات اثر رجعي.
6. القضاء المستقل والحيادي والقادر على حماية حقوق الافراد والجماعات.
7. حماية الافراد من الاضطهاد والخوف والاعتقال التعسفي، والنفي، والتدخل في الشؤون الشخصية لحياتهم، سواء من قبل الدولة او من قبل فاعلين غير حكوميين.
8. التعددية الحقيقية في مصادر المعلومات واستقلالية المنظمات عن الدولة، اي المجتمع المدني.
9. الرقابة المؤسساتية على المسؤولين المنتخبين، من قبل هيئات قضائية مستقلة، ونظام محاكم، وهيئات اخرى مستقلة.
10. السيطرة على القوات المسلحة وقوى الامن من قبل مسؤولين مدنيين معرضين للمحاسبة من قبل الجمهور من خلال الانتخابات.
بناء على هذا، اقول ان شعار الاغلبية البرلمانية، ومثله شعار حكومة الاغلبية السياسية، يجب ان يقدما في اطار فكرة الدولة الحضارية الحديثة لتتحقق الجدوى من طرحهما والعمل على تحقيقهما اذْ لا معنى لأغلبية برلمانية او حكومة اغلبية سياسية في دولة اوتوقراطية متخلفة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار