مقالات

التسوية

محمد عبد الجبار الشبوط
جوهر المسألة في الانسداد السياسي الحالي هو القدرة على تشكيل حكومة، وهو الاستحقاق الانتخابي المؤجل منذ اجراء الانتخابات العامة في العاشر من شهر تشرين الاول الماضي. هذا مع التأكيد على انه من الملح تشكيل الحكومة حيث لا يصح ترك هذه المسألة دون حل لفترة طويلة.
حتى هذه اللحظة يبدو ان ايا من الطرفين المتخاصمين ليس قادرا على تشكيل الحكومة بحسب نظرته. لا اصحاب فكرة حكومة الاغلبية الوطنية قادرون، ولا انصار فكرة الحكومة التوافقية قادرون. ومن المفيد جدا ان يعترفا بالعجز عن تحقيق ذلك.
يمكن ان ينقسم الجمهور الى فريقين: مؤيد ومعارض، لكن ليس من واجب الطرف المراقب، مثلي، ان يكون كذلك. بل من الواجب ان يكون محايدا، وليس مؤيدا او معارضا لاي فريق. وهذا هو موقفي حرفيا.
ازاء هذا الانسداد-العجز ليس امام الفريقين الا الخيارات التالية:
اولا، ابقاء الوضع على ما هو عليه، اي الانسداد الى ما لا نهاية.
ثانيا، كسر العظم، بالسلم او بالحرب.
ثالثا، العمل على التوصل الى تسوية سياسية او حل وسط، متفق عليه.
يتطلب الحل الوسط ممارسة السياسة بطريقة حضارية حديثة. الطريقة الحضارية تعني ان السياسة هي فن الممكن، والاهداف العملية، والاعتراف بالاخر و قبول التعايش معه، وتداول السلطة سلميا، وممارسة العمل السياسي على اساس التنافس السلمي وليس التصفية المتبادلة او الخصومة الحادة. لم يتعود المجتمع العراقي على هذا النوع من السياسة منذ عام ١٩٥٨ الى عام ٢٠٠٣. وبعد هذا العام الاخير لم يتم استثمار فرصة بناء حياة سياسية على اسس حضارية لاسباب معروف اكثرها. ودلت التجارب الماضية منذ عام ١٩٥٨ الى اليوم ان الفشل في اقامة حياة سياسية سليمة على اسس حضارية لا يؤدي الا الى تفاقم المشاكل وتعقيدها وتعميق معاناة الشعب، كما حصل بالضبط من اكثر من ستة عقود.
اليوم يقف العراق على مفترق طرق، ومن يقرأ تصريحات الاطراف المعنية لا يلمس توجها حضاريا للخروج من المأزق الحالي. فالخصومة ليست طريقا للحل، لكن التنافس السلمي هو المبدأ المناسب لحياة سياسية سليمة.
ان خوض الحياة السياسية على اساس الخصومة يجعل العراق وجها لوجه امام الخيار الصعب الساخن وهو الصدام المباشر الذي قد يكون ساخنا وعنيفا.
في ظل هذا الانسداد فان احوج ما يحتاج اليه العراق هو الحل العقلائي الوسط، بخاصة اذا بقي الطرفان المتخاصمان عاجزين عن تشكيل الحكومة. لا يوفر العناد والاصرار على اللاحل، او الاصرار على انهاء الاخر ونفيه، مخرجا حضاريا من الازمة الحالية.
يتطلب الحل العقلائي خفض مستوى التوقعات والاهداف الى درجة ما هو ممكن سياسيا وعمليا، وليس الى درجة ما هو مأمول من قبل كل طرف على حدة.
وهذا يتطلب ايضا تقديم حزمة من التنازلات المتبادلة التي تيسر عملية تشكل الحكومة. ومن بين هذه التنازلات التخلي عن طموحات تصفية الاخر والقضاء عليه. وهذا ليس مطلبا عمليا ما دام كل فريق يتمتع بقاعدة اجتماعية بنسبة ما.
الذهاب الى المستقلين بهذا الشكل او ذاك لا يوفر حلا هو الاخر. لان المستقلين اقلية في البرلمان، وليس من المعقول تحويل الديمقراطية الى حكم الاقلية، خلافا لتعريفها المعروف بانها حكم الاغلبية. وليس من المعقول ان تعالج الاغلبية عجزها بالذهاب الى الاقلية؛ انما المطلوب ان تتوصل الاغلبية الى تسوية سياسية، اي حل وسط، يؤدي الى تقاسم الادوار على مستوى الدولة، مع التأكيد على ضرورة التخلص من عيوب التأسيس التي قادت البلد الى الوضع الراهن البائس.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار