تقارير وتحقيقات

بعد نجاح التنين الصيني في ترويض طرفي الصراع الاتفاقية السعودية الايرانية بنودها وانعكاسها على المشهد العراقي

كاروان كنعان

بعد نجاح التنين الصيني في ترويض طرفي الصراع
الاتفاقية السعودية الايرانية بنودها وانعكاسها على المشهد العراقي.

* كاروان كنعان

لا يخفى على أحد إن الصراع السعودي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط جعلتها من المناطق الساخنة سياسيا وأمنيا ومطمعاً للدول الغربية في استغلال هذا الصراع لبسط نفوذها والاستفادة من ثرواتها، والسبب في الصراع هو محاولة الدولتين السيطرة على المنطقة وخاصة من إيران التي كان نفوذها واضح في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان.
امتلاك إيران للسلاح النووي سبب مخاوف كبيرة لدى المملكة العربية السعودية التي تعتمد على الحماية الأمريكية العدو اللدود لإيران، وإن هذا الوجود يعتبر تحديا واضحاً للنفوذ الإيراني في المنطقة.
حاولت الكثير من الدول احتواء هذا الصراع لكن كل المحاولات بائت بالفشل حتى ظهور التنين الصيني الذي نجح في إكمال الجهود التي بذلتها بغداد و مسقط منذ أبريل 2021 وإعلان الاتفاق الغير متوقع بين السعودية والإيران.
* تاريخ العلاقات الإيرانية السعودية.
تأسست المملكة العربية السعودية عام 1932 وكانت إيران من أوائل الدول التي سعت لبناء علاقات مع المملكة العربية السعودية حين زارها القنصل الإيراني في دمشق (حبيب الله خان) عام 1928 أي قبل تأسيس المملكة بأربع سنوات، وأسفرت هذه الجهود عن تأسيس سفارة إيران في جدة عام 1930
* بداية الصراع.
بدأ الصراع الإيراني السعودي بعد حادثة ( أبو طالب يزدي ) الذي تقيأ داخل الكعبة الشريفة في ديسمبر 1943 والذي اعتبرته السعودية إنه تعمد في تدنيس الكعبة فأمرت بإعدامه. وإن هذا القرار أشعل الغضب في إيران التي قررت مقاطعة الحج وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة أبان بحكم ( محمد رضا الابن ).
* الاتفاق على يد عبد الناصر.
نجاح الثورة المصرية عام 1952 التي نصبت جمال عبد الناصر رئيسا لجمهورية مصر العربية الذي تبنى سياسات تعارض الأنظمة الملكية في المنطقة وحاول عبد الناصر تصدير الثورة إلى المنطقة عندما أرسل جيشه لدعم الثورة اليمنية على حساب نظام ( الإمام البدر الملكي ) ،وإن هذا الإجراء استفز كل من السعودية وإيران. في عام 1966 زار الملك فيصل طهران لتعميق العلاقات بينهما التي أسفرت عن اتفاق لدعم حكومة الإمام البدر بالمال والسلاح التي كانت سببا في إرهاق الجيش المصري وعلى أثرها انسحبت القوات المصرية ام 1967 الذي اعتبر انتصارا مشتركا للسعودية وإيران.
* بريطانيا تتسبب في تجدد الصراع.
عندما قررت بريطانيا إلغاء وجودها في الخليج عام 1968 ، الذي كان سببا في سعي إيران لضم البحرين إلى أراضيها ما أثار حفيظة الملك فيصل الذي دعم استقلال البحرين ونالته في استفتائها الشعبي عام 1971، الأمر الذي أثار استياء طهران من ضياع البحرين من يدها وهددت غزوها عسكريا، فردت الرياض بأن أي هجوم على البحرين سنرد عليه عسكريا.
* التقارب السعودي الإيراني على حساب العراق.
في السبعينات من القرن الماضي ظهره العراق بقوة على الساحة الذي كان ينافس كل من السعودية وإيران على زعامة المنطقة الخليجية ، و إنحياز السعودية لإيران بسبب نوع النظام الملكي الذي يجمعهم ومعاداتهم للشيوعية الذي يربط العراق بالاتحاد السوفيتي، الامر الذي أدى قيام السعودية بدعم نظام الشاه خلال المظاهرات ومحاولة ازالته من الحكم، حيث صرح الأمير سعود الفيصل” إن بلاده تؤيد بقاء الشاه لأنه حقق نموذجا يحتذى به في التنمية”.
* العلاقات ما بعد الشاه.
عقب إسقاط نظام الشاه وإعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعا روح الله الخميني إلى تأسيس أمة إسلامية واحدة وتصديرها إلى دول الجوار على نهج المذهب الشيعي، وهذا ما اعتبرته السعودية تهديدا على المنطقة. بدأت الحرب العراقية الإيرانية ومنحت الرياض بغداد قروضا بمليارات الدولارات لشراء الأسلحة، كما وضعت بعض موانئها ومطاراتها تحت تصرف العراق. هذا الدعم أغضب طهران وأدى تأثير هذا التوتر السياسي على قيام الحجاج الإيرانيين بطقوس إضافية في موسم الحج عام 1987 حيث قام رجال الامن السعودي بإطلاق النار عليهم والتسبب بمقتل 400 حاج نصفهم إيرانيون, وعلى أثر هذا الهجوم قامت مجموعة من الشباب الجامعي في مهاجمة السفارة السعودية في طهران وقطع العلاقات مرة أخرى.
* غزو العراق والربيع العربي.
استغلت إيران دعمها للمعارضة العراقية في بسط نفوذها في العراق بعده احتلالها من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأدى هذا الاستغلال إلى شبه قطيعة عربية للعراق بسبب التدخل الإيراني في قرارات العراق داخليا وخارجيا. في العقد الثاني من القرن العشرين بدأت المظاهرات في مجموعة من الدول العربية التي سميت بالربيع العربي وكانت تهدف الى تغيير النظام فيها ومنها سوريا. لكن نظام الأسد حصل على دعم غير مسبوق من طهران لضمان بقائه حتى وصل الأمر إلى إرسال قوات الحرس الثوري الإيراني والمليشيات العراقية الموالية لها إلى سوريا للقتال، الأمر الذي كان محل استنكار السعودية واعتباره تدخلا سافرا الشؤون العربية.
* بنود الاتفاقية.
الاتفاقية التي تمت برعاية صينية هو تفعيل بنود اتفاقيتين سابقتين بين الرياض وطهران أولهما عام 1998 والتي تنص على التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري والعلمي والتقني والرياضي والشبابي. الاتفاقية الثانية عام 2001 التي وقعها وزير الداخلية السعودي السابق الأمير نايف بن عبد العزيز مع نظيره الإيراني عبد الواحد موسوي والتي تتضمن مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي ومحاربة الثراء الغير مشروع والجرائم الاقتصادية والتصدي لعملية غسيل الأموال وتبادل المعلومات الأمنية واحترام سيادة الدول الأخرى.
* الاتفاقية السعودية الإيرانية من وجهة نظر الرياض.
تمت الاتفاقية بقناعة تامة في المملكة العربية السعودية بعد ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية الخيار الأمثل للمملكة لمواجهة التهديدات الإيرانية. لكن مؤخرا تغيرت العلاقات بسبب رفع واشنطن يدها من المنطقة وتغيير استراتيجياتها في المنطقة ورد واشنطن الباهت على الهجمات التي طالت شركة أرامكو عام 2019. هنا اقتنعت الرياض إن عليها تنويع شركائها الأمنيين والعسكريين. ومن ناحية أخرى قناعة المملكة إن هذه الاتفاقية تحد من هجمات الحوثيين المدعومين من إيران على المملكة وكذلك إثبات حرية القرار السعودي.
* الاتفاقية السعودية الإيرانية من وجهة نظر طهران
يؤكد الإيرانيون إن السبيل الأمثل لتقليص النفوذ الأمريكي من المنطقة هو التحالف مع شركاء واشنطن وتخفيف الضغط عليها بعد قيام عدة دول عربية بالتطبيع مع إسرائيل. حيث تعاني إيران من أزمات داخلية وخارجية وسياسية اقتصادية.
وترى طهران أن الاتفاق السعودي سوف يلمع صورة طهران خارجيا وتدعمها اقتصاديا خاصة أن راعي الاتفاقية هو الصين الحليف الإيراني. ويمكن لهذه الاتفاقية أن تساعد إيران من الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها وذلك بالاتفاق مع السعودية على التحكم في سوق النفط الذي يشكلان 35.5% من احتياطات أوبك النفطية.
* دور الصين في المنطقة.
كان الوجود الصيني في المنطقة محصور في التعامل التجاري وإن دورها في الاتفاقية يعتبر الأول دبلوماسيا. وأثبت الصين إنها قادرة على التعامل الدبلوماسي مستغلة علاقاتها مع الطرفين على عكس الولايات المتحدة التي كانت تربطها علاقة مع جانب واحد فقط. إن تدخل الصين في تهدئة المنطقة يعتبر تأكيدا لمقولتها “إن أمريكا هي سبب المشكلة في الشرق الأوسط”. وتحاول الصين عن طريق رعايتها للاتفاقية بين البلدين على تأمين مصادر موثوقة للطاقة عن طريق شرق أوسط آمن و مستقر.
*انعكاسات الاتفاقية على العراق.
عانى العراق من حرب دموية و طائفية أدت إلى قتل وتهجير الكثير من أبناء الطائفتين الشيعية والسنية. واعتبر الكثير إنها حرب بالوكالة بين طرفين الاتفاقية بالرغم من عدم وجود أي تدخل سياسي سعودي في العراق عكس إيران، وإن هذا الحرب كان سببا في توقف عجلة الحياة والتقدم والتطور الذي كان يتأمله العراقيون بعد عام 2003.
سيطرة إيران على المشهد السياسي والاقتصادي العراقي كان سببا كبيرا في نفور الدول من الاستثمار بالعراق بسبب انعدام الاستقرار الامني. استغلت إيران ضعف الحكومة العراقية وتحكمها بالسوق العراقي وتصريف سلعتها فيها والتي تعتبر من أردء أنواع السلع. وكذلك اعتبرت إيران نفسها وصيا على العراق حيث كانت تزود العراق بالكهرباء والاسلحة والسلع الأخرى بمبالغ باهضة جدا مقارنة مع اسعار السوق العالمية. حاولت السعودية الاستثمار في بادية السماوة التي واجهت تصريحات مضادة من جهات مسلحة موالية لإيران مع صمت حكومي حيال هذه التهديدات.
الاتفاقية السعودية الإيرانية سوف تساعد على خفض التوتر في العراق وتهدئة القوى المسلحة الموالية وتقوية الحكومة التي بدأت تظهر ملامحها على حكومة السوداني، ومن ناحية أخرى، الاستثمار في العراق ليس حكرا على السعودية أو إيران بل هناك دول أخرى ترغب في الاستثمار لكن عدم توفر الأمن و سيادة القانون الذي حال دون دخولها للعراق.
في الختام يستحسن على العراق إن ينوع من مصادر الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والخروج من الظل الايراني و خلق بيئة مناسبة للمستثمرين للنهوض بالواقع المأساوي، و الاستفادة من التجربة الإيرانية والسعودية ، وذلك أن لا يبقى معزولا عن العالم كما يحدث في إيران و تعدد الحلفاء كما فعلتها السعودية و استغلال بند احترام سيادة الدول الأخرى من الاتفاقية السعودية الإيرانية، لتقوية الحكومة العراقية وفرض سيادتها والحد من هيمنة الميليشيات والأحزاب على كافة مفاصل الدولة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار