الدينية

رمضان: كيف يستعد المسلمون لاستقبال هذا الشهر؟

مع حلول شهر رمضان الذي يستقبله المسلمون حول العالم، تتنوع الاستعدادات بين النفسية والروحانية والمادية، وحتى من ناحية الطعام وممارسة الرياضة، ويحاول المسلمون اغتنام هذا الشهر بأيامه المعدودات، لذا فإن استقبال شهر رمضان يُعتبر إحدى الخطوات المهمة التي يُعدّ لها الكثيرون.
  
 
ويختلف الاستعداد من شخصٍ لآخر، فهناك من يعمل على تجميع المواد الغذائية لهذا الشهر، وهناك من يغلُب عليه الطابع الروحي ويُفكّر في كيفية أداء العبادات، في حين يحاول البعض الآخر أن يُعيد لصحته التوازن ويبني جسما سليماً، وقد يجمع آخرون بين كل هذه الأمور.
 
 
يصوم المسلمون في أنحاء العالم خلال شهر رمضان، وهو الشهر التاسع من أشهر السنة الهجرية، إذ يُعد الصيام أحد أركان الدين الإسلامي، ويقتضي الإمساك عن تناول الطعام والشراب من الفجر حتى مغيب الشمس على مدى شهر كامل.
 
ويقول المستشار الشرعي والباحث الأكاديمي الدكتور إبراهيم الجرمي لبي بي سي: “إن لشهر رمضان فوائد جمّة لا يمكن حصرها، فيجب على المسلم أن يكون على مستوى هذا الشهر، كالطالب عندما يدخل جامعةً عريقةً يجب أن يكون على مستوى المناهج والتدريس ومستوى الطلبة”. موضحاً أن شهر رمضان هو “شهرٌ نُزل فيه القرآن، وعلى المسلم في هذا الشهر أن تكون له علاقة وثيقة بهذا الكتاب المُنزّل سواءٌ بالختم أو التدبّر أو المراجعة أو في صلاة التراويح”.
ويضيف الجرمي أن على المسلم خلال هذا الشهر أن يتقرّب لخالقه بالدعاء والذكر والإنابة. مشيراً إلى عدم الاكتفاء بالصيام عن الطعام والشراب والشهوات، وأن “تصوم الجوارح” كذلك “فلا ينطق اللسان بباطل ولا تنظر العين لباطل ولا تسمع الأذن إلى باطل”.
 
وشدّد الجرمي على أهمية أن يعزم الشخص على تهذيب نفسه خلال رمضان، بحيث يكون صبوراً وذي أخلاق ليكون على مستوى روحانية هذا الشهر.
 
وتقف الدكتورة شذى أبو حمده، استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان، على مسافةٍ قريبةٍ مما ذكره الدكتور إبراهيم الجرمي إذ تقول في حديثها لبي بي سي: “من المهم جدا للإنسان المسلم أن يبدأ بتهيئة نفسه لبدء شهر رمضان من خلال معرفته بفضائل هذا الشهر وبأنه فرصة ليُخرج ما بداخله من حزن أو ألم أو مشاكل مرّ بها في حياته من خلال مناجاته لخالقه”.
 
وتشير إلى أن رمضان يُعتبر بمثابة الفرصة للعديد من الأشخاص لترك السلوكيات الخاطئة والسلبية، حتى لمن يعانون من الإدمان، فهو فرصة للبدء في العلاج لأنه “يُعزّز من قوة الإرادة للشخص ويزيد من تحمُله للشدائد وهو أمرٌ مهم في العلاج النفسي بشكلٍ خاص، والصحة النفسية للإنسان بشكلً عام” بحسب الجرمي.
 
“فرصة لخسارة الوزن”
 
وعلى الرغم من الفوائد الصحية التي يتضمنها الصيام، قد يجد البعض صعوبة في التأقلم مع تغيّر عاداتهم الغذائية خلال هذا الشهر، إذ يشعرون بنوعٍ من التعب والإرهاق جراء الانقطاع عن الطعام والشراب لفترات طويلة نسبياً.
 
وفي هذا الشأن تحدّثت أخصائية التغذية ليان البغدادي لبي بي سي قائلة: “يُعتبر شهر رمضان فرصةً لأي شخص يرغبُ بتحسين حالته الصحية، وتحديداً حال رغبته في خسارة الوزن وفقدان بعض الكيلوغرامات، شريطة اتباع الطريقة الصحيحة في ذلك لكي تتم خسارة الدهون وليس خسارة السوائل والكتلة العضلية للجسم”.
وتشير البغدادي إلى أهمية تناول كميةٍ مناسبةٍ من الطعام بما يتوافق مع احتياجات الجسم، إذ أن الجسم يدخل حالة تُعرف بـ “حالة جوع”، وذلك نظرا لساعات الصيام الطويلة إلى حدٍ ما، وبالتالي يحتفظ الجسم بالدهون ويبدأ باستخدام الكتلة العضلية كمصدر للطاقة، لذلك تنصح الأخصائية بممارسة الرياضة لخسارة الدهون والحفاظ على الكتلة العضلية.
 
وفيما يتعلق بالتغذية المناسبة خلال شهر رمضان تقول البغدادي: “نظرا للساعات القليلة التي يفطر فيها المسلم خلال اليوم، لا بد من التركيز على ثلاث وجبات رئيسية هي: السحور والفطور والسناك (هي الوجبة ما بين الإفطار والسحور) وألاّ يتم إهمال وجبة السحور أو إلغائها بهدف خسارة الوزن، وذلك لأهميتها في تزويد الجسم بالطاقة وفي تغطية احتياجات الجسم اليومية، وعدم الشعور بالخمول والتعب”.
 
وتشير إلى أنه لا بُد أن تتكون وجبة السحور من “بروتين ونشويات معقّدة” كأن تحتوي على ألبان وأجبان وبيض، في حين تتكون وجبة الفطور من حبة تمر وصحن شوربة وكوب سلطة إلى جانب الطبق الرئيسي، شريطة أن يتم تناول هذه المكوّنات بالتدريج مما يساعد في تقليل كمية الطعام الذي يتناوله الشخص. أما وجبة السناك فتحتوي على الفواكه الغنية بالألياف والسوائل لتزويد الجسم باحتياجاته.
ومن الشائع خلال هذا الشهر، تناول العديد للمشروبات الرمضانية الشهيرة (المحلاة صناعياً) إذ تحتوي على نسبةٍ عالية من السكر وبالتالي تكون غنية بالسعرات الحرارية، على حد تعبير البغدادي التي أضافت: “يجب ألاّ يشرب الشخص مجموع سعراته الحرارية، وأن يستبدل مشروباته بمشروبات صحيّة مثل شراب الكركديه والليمون والنعناع بهدف تعويض السوائل والعناصر الغذائية التي يتم فقدانها خلال فترة الصيام”. مشدّدةً على ضرورة شرب كميات كافية من الماء.
 
الرياضة.. ما هو أفضل وقت لممارستها في رمضان؟
 
تُعتبر ممارسة الرياضة في شهر رمضان من العادات الصحية التي يلتزم بها البعض، لما لها من فوائد عديدة تنعكس بشكل إيجابي على صحة الإنسان.
 
وهذا ما تؤكده المدربة الرياضية مي القادري التي قالت لبي بي سي: “الرياضة مهمة لجسم الإنسان خلال رمضان، ولكن يُفضّل عدم إجهاد الجسم عند ممارسة الرياضة قبل الإفطار بحيث تتم ممارسة الرياضات الخفيفة كالمشي والركض وركوب الدراجة ورياضة الأيروبيك لمدة نصف ساعة قبل الإفطار وذلك بهدف تعويض الجسم بالسوائل والأملاح المعدنية المفقودة بأسرع وقت ممكن”. مضيفةً أن ممارسة الرياضة قبل الإفطار يمكن أن يُسهم في خسارة الوزن.
 
أما لمن يرغب بممارسة الرياضة بعد الإفطار فتقول القادري: “لا بد من ممارسة الرياضة بعد نحو ساعتين أو ثلاث ساعات على الأقل من تناول وجبة الفطور، حيث يتم خلال هذه الفترة هضم الطعام بكفاءة وراحة ليتم استخلاص الطاقة وإعادة شحنها إلى أعضاء الجسم الحيوية، وعندها يكون الجسم مستعد لأداء رياضات تُركز على بناء الكتلة العضلية بشكل أكبر”.
وفي سؤال حول متى يجب ممارسة الرياضة، قبل أم بعد الإفطار؟ أجابت المدربة الرياضية: “لا يوجد ما يسمى بالوقت الأفضل، ولكن يوجد ما يناسب صحة ووقت الإنسان، شريطة أن تُمارس الرياضة باعتدال بهدف حماية الجسم من الأعراض الصحية التي يمكن أن يتعرض لها طول ساعات الصيام”.
 
هل نحن بحاجة لتخصيص ميزانية أكبر خلال رمضان؟
 
غالباً ما تشهد الأسواق التجارية قُبيل رمضان ازدحاماً، إذ تستبق العائلات قدوم شهر الصوم لمواجهة بعض متطلباته ويتسوقون حاجاتهم لموائد الإفطار. ويشتري البعض فوق حاجاته، وهو الأمر الذي يوضحه المحلل الاقتصادي مازن إرشيد قائلاً لبي بي سي: “إن النمط الاستهلاكي لدى بعض العائلات يتمثل بشراء العديد من المنتجات الغذائية خلال شهر رمضان بحيث يزيد الطلب على بعض المنتجات بشكلٍ كبير مما يُسهم في ارتفاع أسعارها”. مبيناً أن البعض يتخوّف من عدم توفّر هذه المنتجات خلال رمضان فتكون النتيجة “التهافت على شراءها بشكل لافت”.
 
وفيما يتعلق بوضع البعض خطةً للاستعداد مادياً لهذا الشهر، يقول إرشيد: “بعض العائلات تلجأ لادخار بعض الأموال من خلال اقتطاعاتٍ شهريةٍ قبل بضعة أشهر من رمضان”. ويشير المحلل الاقتصادي إلى أن الصائم عندما يتسوّق قبل الإفطار يكون في حالة ذهنية أكثر اندفاعاً نحو الشراء والإنفاق على المشتريات التي سرعان ما يكتشف أنها تزيد على حاجته، وقد لا يستخدمها أو تتلف.
 
ويؤكد إرشيد أن عملية الشراء خلال هذا الشهر تحديداً يجب أن تكون حسب الطلب والحاجة وليس حسب الرغبة، وداعياً لأن تجتمع العائلات وتتشارك الأطباق في مكان واحد خلال هذا الشهر دون الحاجة لتنظيم ولائم كبيرة في كل بيت.
 
ومهما اختلفت الاستعدادات لشهر رمضان، يبقى الرابط بين ذلك كله هو أنه شهرٌ واحد يأتي كل عام، ويحرص المسلمون على إحيائه.
 
“بي بي سي عربي”

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار