المحلية

وزير الثقافة محمد المرتضى منح باسم رئيس الجمهورية الراحل نزيه كبارة وسام الاستحقاق الفضي في الرابطة الثقافية

وزير الثقافة محمد المرتضى منح باسم رئيس الجمهورية الراحل نزيه كبارة وسام الاستحقاق الفضي في الرابطة الثقافية

رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الحفل التأبيني الذي أقامه المجلس الثقافي للبنان الشمالي بمناسبة مرور اربعين يوما على وفاة رئيسه السابق الدكتور المحامي نزيه أديب كبارة.
وكان في إستقبا ل الوزير المرتضى عند مدخل الرابطة الثقافية بطرابلس حيث أقيم الإحتفال ثلة من عناصر قوى الأمن الداخلي الذين قدموا التحية للوزير المرتضى عند وصوله.
وشارك في الإحتفال الوزير السابق النقيب المحامي رشيد درباس، الوزير السابق اللواء أشرف ريفي ممثلا بكمال زيادة، رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، نقيب المحامين في الشمال ماري تريز القوال، مدير عام مستشفى طرابلس الحكومي ناصر عدرة، جميل عبود ممثلا “مشروع وطن الإنسان” ،الزميل الإعلامي إبراهيم عوض ممثلا رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، الأمينة العامة السابقة للجنة الوطنية لليونيسكو سابقا الدكتورة زهيدة درويش جبور، رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين أنطوان منسى، الشيخ منصور الخوري، وأبناء الفقيد المهندس أديب والدكتور سامر والمهندسة هانيا والأستاذة زينة،وحشد من الهيئات الثقافية والتربوية والنسائية وجمعيات وأندية وأساتذة جامعيين وإعلاميين وكتّاب وأدباء.

ساسين
إفتتح الإحتفال بالنشيد الوطني اللبناني وبكلمة تقديم من الدكتور المحامي شوقي ساسين أمين عام منتدى طرابلس الشعري بإلقاء أبيات شعرية تناول فيها مسيرة ومزايا الفقيد الراحل ودوره في إغناء الحياة الأدبية والفكرية والقانونية وجمع بين مواقفه الوطنية ومحبته لمدينته الفيحاء ولأبنائها ومدى تأثره الشديد بأجواء المدينة وخاصة بحاراتها وأسواقها الشعبية والتجارية وبصورة خاصة في مرحلة شبابه وإستمتاعه بعطور أزهارها وثمار أشجارها والتي ساهمت إلى حد كبير في إغناء كتاباته الأدبية والتي يصف فيها أجواء المدينة وتراثها الحضاري.

الفري
وألقى رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري كلمة قال فيها: ما زالت الصورة ماثلة أمام ناظريّ منذ 25 عاما يوم كنت طالبا في الجامعة اللبنانية- كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية وتكونت لديّ صورة لا أنساها عن ذلك الأستاذ الذي يخاطب طلابه بنبرة الحريص على علمهم وعلى مستقبلهم، ولا زلت أذكر نظراته الثاقبة التي تتجاوز الحاضر وترشدنا إلى غد أفضل إكتشفناه باكرا من خلال كلماته وعباراته.
أضاف: تستبد بي الحيرة حين أتناول سيرة علم من أعلام طرابلس ويتبادر إلى ذهني من أين أبدأ في هذه العجالة لأشير إلى دور فقيدنا الراحل في إغناء الحياة الفكرية والثقافة والتربوية وهو الذي له الصولات والجولات في تلك الميادين ويعتبر بحق أنه فارس الكلمة وخطيب المنابر وجهد في تخريج الأجيال الشابه الذين أغنوا المدينة بكفاءاتهم وعلومهم في كل المواقع والميادين الحياتية والفكرية والأكاديمية والسياسية.

منجّد

وتحدث رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي صفوح منجّد معتبرا أن غياب الدكتور كبارة عن مسرح الأحداث في طرابلس والشمال وعموم لبنان ليس بالحدث العادي لما خلفه من آثار وذكريات لا يبددها زمن ولا تطويها أيام. ودعا إلى ترجمة مواقف وآراء الفقيد الراحل من خلال مشاريع تستلهم تاريخه وأرشيفه النضالي.
وشدد على إطلاق إسم الراحل على أحد الشوارع الرئيسية في طرابلس وتزويد المكتبات العائدة لجمعيات وأندية ثقافية بكتب ومؤلفات الدكتور كبارة بالتنسيق مع عائلته، كما دعا إلى تفعيل الإقتراحات التي وردت في برنامج الفقيد بخصوص فعاليات إختيار طرابلس عاصمة للثقافة العربية العام 2024، مشيرا إلى أنّ مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية قررت إصدار وقائع هذا الإحتفال التأبيني في كتيّب خاص.

زريق
وتحدث الدكتور الحقوقي سابا قيصر زريق رئيس “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” فتناول مؤلفات الراحل التي أرّخت وأزاحت النقاب عن العشرات من الطرابلسيين والشماليين، قصصيين وروائيين وشعراء وأدباء ومسرحيين وصحافيين، وقال: أطلقت عليك يوما لقب” مؤرّخ العربية في شمال لبنان” وأنت الذي بنتاجك أضفت إلى لقب فيحائنا التاريخي لقبا جديدا ألا وهو” مدينة الأدب والأدباء”.
وتساءل: إن كان رثاء صديق واجبا فكيف يستقيم الرثاء ياترى؟ وأنت ما زلت حيّا؟ حيّا في قوبنا ووجدان مدينتك ووطنك، وها هي الصداقة اليوم تشهد أنها هي فعلا إمتحان للقلب، فلا يواسينا على فراقك سوى فرح الفردوس الأعلى بضمك.سوف يطوينا الزمان ونحن نفتقد طهرك وسماحتك وودادك.

درباس
وتحدث الوزير السابق النقيب رشيد درباس فقال: أستميحكم طرفة كلام أحدثكم فيها بعين من رأى طرابلس الخمسينيات زمان إمتلأت مشاعري المراهقة بمشاهد الخانات المستطرقة والأسواق المتلاصقة والشوارع الجديدة النظيفة المنظمة وقد إزدحمت بالأقدام الوثابة لرعيل قاعدته العصامية ورؤيته النهضة، وآماله لا تحجبها حدود فكأنّ الأرصفة واجهات بشرية لأجيال تلدها أن لا تشيخ، وكأن مدارسها بساتين أزهار يتعهدها أنبل البساتنة، ويسهر عليها ينسّق الباقات ليسلمها يانعة إلى الجامعات والمعاهد العليا.
اضاف: غدرته الفرص فلم تأخذ طرابلس منه حق تمثيله لها، على الرغم من أنه لم يكن يوما ساعيا إلآ في درب العمل العام، وقصور الثقافة التي كان يعلّم فيها إستقامة اللغة والتفكير. وكما كانت ردينة تثقّف الرماح، كان يُنشىء طلابه وزملاءه على ان القانون ليس علما تمنح فيها شهادة، بل هو نهج ونسق ونمط حياة ومكارم أخلاق.
وقال: أطلقت عليه ألقابا مستحقة، كان يتقبلها بإبتسامة ورحابة صدر والآن أقول له يامن كانت شيبته راية، وإبتسامته آية، وسيرته رعاية وعناية، أيها الشاطىء الذي أوت إليه الزوارق، طلبا لنزهة في جزائر القانون، ومصاطب الشعر وموائد النورس، لقد كنت أسماء على مسميات ولكن النزهة في لسان العرب هي الأرض البعيدة العذبة النائية، فها نأيت بعذوبة نزهتك عنّا، أم تراك سترسل إلينا بطاقة دعوة لنزهة آتية لا ريب فيها.

القوال
وقالت نقيب المحامين في طرابلس ماري تراز القوال: الدكتور نزيه كبارة عنوان فصل باذخ الغنى من كتاب المحاماة في لبنان، تدريسا ومزاولة وتأليفا ورعاية أبناء. كأنه ينافس ذاته في مواهب فضلى، أو كأنه سواق كثيرة تجمّعت في نهر واحد إتخذ طريقه إلى بحر الحق سربا حتى لا يحار القائل فيه من أي موهبة يبدأ وفي أيها ينتهي.لكن الواجب الأدبي يملي علي في حضرة ذكراه أن أستعيده منذ مطالع أيامه في المحاماة عندما إنتسب إلى النقابة عام 1963 ثم ما لبث أن علّق قيده لينصرف إلى التدريس الجامعي مؤثرا على العمل المهني المحض بناء الأجيال الحقوقية المتعاقبة.
أضافت: أيها الغائب المضيىء فينا كشمس تغرب هنا لتشرق هناك، أيها النزيه الأديب الكبير، كما أحرف إسمك الثلاثي، نحن لا نزال على عهدك بنا ننظر إليك قدوة معلما وزميلا ومرجعا قانونيا وأدبيا ، ومحاضرة في صف جامعي، على أهبة أن تتلفّظ بها شفتاك فتعبر من أوراقها إلأى المسامع والعقول، وها نحن أمام زملائنا الذين لم يعرفوك نتلو ذكراك، ليدركوا انّ سكينة صوتك مزروعة في خلايا الأعصاب ووجهك مزهر في تلفت العيون، وطيبة قلبك تخفق في كل القلوب، أنت الذي عشت للحقوق والآداب والقوانين والأفكار الحرّة البناءة، ستبقى الفرح الذي يخمد الحزن والقمر الذي يطلع علينا في حالكات الشتاء، وسيبقى تراثك الجميل على الشفاه الجميلة زادا طازجا نتذوقه كلما جعنا إلى حلاوة الماضي الذي كتبت يمينك فيه لكثير من زملائك مستقبلهم.

يمق
وتحدث رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق فقال:لقد فقدنا بغياب المرحوم الدكتور كبارة قامة تربوية وثقافية وحقوقية كان لها الدور الكبير في صنع الحركة الفكرية في طرابلس والشمال على إمتداد فترة السبعينات من القرن المنصرم، حيث كان للراحل الموقع المتقدّم على أقرانه من المثقفين والمناضلين الذين ساهموا في نهضة المدينة وفي بناء جيل شاب يتمتّع بالكفاءة الوطنية ليأخذ هؤلاء جميعا دورهم البارز والرائد في التصدي للأزمات التي عصفت بهذا البلد وتأمين حاجيات الناس في ما عُرف يومها بحرب السنتين.
أضاف:هذا الموقف الرائد من الدكتور كبارة وأمثاله، ولا نذيع سرا، أنهم تمكنوا من صون وحدة المدينة وتحييدها من الإنزلاق في مهاوي التفتت والإنقسامات الطائفية والمذهبية خلال الفترة التي عُرفت بحرب السنتين.فمن خلال التجمّع الوطني للعمل الإجتماعي إستطاع كبارة وأمثاله، البناء لمرحلة جديدة وسريعة من المعافاة وفتح آفاق جديدة أمام أجيالنا الشابة للإنخراط في العمل الوطني على أمل بناء وطن واحد لجميع أبنائه.
وقال:نحن في مجلس بلدية طرابلس نفخر ونعتز بأمثال الدكتور كبارة ونؤكد إلتزامنا بتكريم هؤلاء الراحلين الكبار من خلال تخليد ذكراهم بإطلاق أسمائهم على شوارع وساحات المدينة ليكونوا دوما نُصب أعيُننا ومِلىء قلوبنا على مدى الأزمان وليكونوا منارات للأجيال الشابة، وإن تأخرنا في إطلاق هذه الأسماء وفي طليعتها إسم الدكتور كبارة بسبب الظروف التي عصفت بالمدينة مؤخرا غير أننا سنُنجز هذه المكرُمة في وقت قريب.
وتابع:كما نُعلن أننا في بلدية طرابلس قد باشرنا في التحضير للإحتفالية الكبرى بإختيار طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024، ونحن نُدرك كم كان الفقيد الراحل يستعد ويتهيأ لإطلاق مشروعه المتكامل لهذه الإحتفالية، واليوم صباحا كان لنا لقاء في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي -قصرنوفل سابقا، تحت عنوان “طرابلس 2024 ودور القطاع الثقافي المستقل”، بمشاركة
أركان السفارة الفرنسية في بيروت والمركز الثقافي الفرنسي في لبنان والمهرجان الدولي للموسيقى الجامعية في فرنسا ومهرجان بيروت أند بيوند لبنان ومعهد ليفانتين لتعليم اللغة العربية في لبنان، وذلك خلال حفل اطلاق التعاون الثنائي في مجال الفنون والثقافة بين مدينتي طرابلس وبلفورالفرنسية وتوقيع اتفاقية تمهيديّة بين المدينتين.
وختم: لا أخفي عليكم إن قلت ان برنامج التعاون الذي يمتد على مدى ثلاث سنوات من 2022 الى 2024، يتضمن سلسلة من الأنشطة في مجال بناء القدرات التي من شأنها أن تساهم في تعزيز استعدادات بلدية طرابلس لاستقبال وتنظيم فعاليات هذا الحدث الذي ستشهده المدينة “طرابلس 2024 – عاصمة الثقافة العربية”.
ونأمل أن يُساهم هذا المشروع في إستكمال التحضيرات التي بدأتها اللجنة الثقافية في المجلس البلدي بالتعاون مع وزارة الثقافة والهيئات الثقافية في المدينة.

الخير
وتحدث مدير كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية- الفرع الثالث بطرابلس البروفيسور خالد الخير فقال: طرابلس فقدت أحد أعمدتها المتجذّرة في أرضها عميقا والمرتفعة شموخا حتى السماء وأفقدتنا الحياة رجلا مميزا بكل ما لديه، رجل فريد بكل المعاني والأبعاد حيث كنت المثال والأيقونة .برحيلك عنا جسدا إنطفأ مشعل إنساني وأنت الذي إجتمع فيك النبل وحب الخير وكرامة النفس وإضفاء الحب والأخوة على من حولك.
أضاف:لا أنسى كيف تغازل الحرف والوزن وكيف أن القافية تغرّد كسينفونية تعبر سامعها دون إستئذان وتستوطن أعماقه. أيها الغائب الحاضر إن نهر الحياة الذي ينساب في عرةقك قد تجمد وضب، وهذا أمر الخالق في خلقه ولكن الصحيح أن الموت لأمثالك من بتي البشر حياة أبدية لا موت فيها بل هي ولادة جديدة. أنت عشت في الحياة أميرا فارسا، كنت ملحها وخميرتها وعبيرها وأملها لمن عرفوك وناقشوك وحاوروك. وطرابلس الفيحاء مدينة العلم والعلماء لن تنساك بل ستخلدك أجيالها وتستحضر ذكراك دائما وأبدا.

كبارة
ثم تحدثت كريمة الراحل المهندسة هانيا كبارة فقالت:بعد كل هذا الكلام الجميل والتوصيف الدقيق من كل أصدقاء والدي والمحبين الكثر, والحمدالله , لا أملك الا ان اشكر الجميع فردا فردا على هذا الكم الجميل من المحبة والاخلاص لروح والدي رحمه الله .
ثم تناولت مسيرة حياة والدها ودوره في رعاية افراد الأسرة ومتابعة شؤونهم التعليمية وتعامله مع أبنائه وبناته ،وتوقفت عند بعض المحطات الأسرية وعدم التفرقة أو التمييز بين فرد وآخر وقالت: لا أتذكر وانا صغيرة أنه لاعبني أو دللني, بل أتذكر حادثة في بيت جدي, ربما كنت أبلغ من العمر حوالي خمس سنوات. يطلب مني والدي الوقوف : “هانية, اعربي هذه الجملة”, لا أذكر الجملة تحديدا ولكن أذكر تماما نظرة والدي والفخر في عينيه, طفلة صغيرة تعرب ” الحال” وما أدراك ما الحال.
وتابعت:كان والدي مديرا لدار المعلمين والمعلمات في طرابلس, في الزمن الجميل, زمن العلم والثقافة والنبل والأخلاق.وتخرج مئات الأساتذة من تلك الدار وآلاف التلامذة من الجامعة اللبنانية من بعدها حيث كان دكتورا محاضرا فيها.

وقالت:كان من الصعب جدا ان تتمشى في شوارع طرابلس من دون ان يستوقفنا أحد للسلام عليه وعلى الأغلب كانوا من تلاميذه .’ أستاذ نزيه” لقب رافقه لمدة طويلة حتى بعد ما نال شهادة الدكتوراه.

ولا أبالغ إذا قلت المتعة بالنسبة لوالدي كان “الكتاب” والكتاب فقط. فالكتاب هو خير صديق وقت الضيق” . كان بيتنا متحفا للكتب, مكتبات كببرة طويلة بعرض الحائط, مملوءة بالكتب, في الصالون, وغرفة الجلوس وحتى غرفة النوم. كان الكتاب رفيقه الدائم وكان قلمه سلاحه الأبيض الذي شهره عاليا بوجه كل القضايا الإنسانية والإجتماعية والتاريخية في طرابلس ولبنان والعالم العربي خاصة. كان يعشق العمل الاجتماعي والتربوي خاصة, وعشقته المنابر, فكان خطيبا رائعا يصول ويجول ويحاور,,, كان رجل الحوار بدون منازع وان أحب السياسة ولكن الحياة السياسة لم تستهويه, لأنه بكل بساطة كان الشريف النزيه ذو الأيادي البيضاء على البلد.
وختمت:لم يترك لنا بابا الجاه والمال ولكنه ترك لنا محبة الناس والسمعة الطيبة وهذا الحفل الجميل ما هو الا دليل على ذلك, فشكرا للجميع , لكل من ساهم, وشارك ليقدم له الوفاء لمسيرته الطويلة وليخلد ذكراه,, شكرا لوزارة الثقافة ولمعالي الوزير محمد وسام المرتضى شكرا لكل الأصدقاء المخلصين, وشكرا لكل الأقرباء ولعائلتنا الصغيرة ولمدينة طرابلس.

المرتضى
ثم القى راعي الإحتفال معالي الوزير محمد وسام المرتضى الكلمة التالي نصها:طرابلس ذاكرة الملح والعبير ، مدينة البشر والحجر والشجر، بقية فينيقيا وبيزنطة وبني عمار والصليبيين والمماليك والأتراك والعرب، ومجتمع هؤلاء كلهم، ها هي اليوم في حضرة الأربعين تحتشد قلعة وأسواقا ومكمتبات ومنتديات وقامات ثقافة، في وقفة وفاء لمن كان إبنا لها، وأبا لمثقفيها، وراعيا لحراكها التنويري على إمتداد عقود .وها نحن وزارة الثقافة، نشارك الفيحاء غصتها ونأخذ ما أصابنا من هذا الحزن الطرابلسي الأليم.
وفي المناسبة ترتسم أمام عيني مفارقة كبيرة. فمدينة العلم والعلماء دحرجت من فضاء تاريخها إلى حضيض واقع جعلها افقر المدن المتوسطية وهي في الأصل أغناها.
ذلك أن ظروفا كثيرة وإجتماعية وأمنية غيرت من طبيعتها الجامعة ،فصار يضيق بإبن الجار جيران، وإزداد الإهمال الرسمي لها، حتى تراجعت فيها قطاعات الإنتاج كافة، وآل أمرها إلى ما تعلمون .لكن وفي المقابل تألقت فيها حركة ثقافية مميزة ، وذلك على أيدي بعض من المثقفين الذين تبوؤا من منتدياتها مكانا عليا وراحوا يبثون فيها رونق اللون وبهجة الحرف وروعة النغم ، وينفضون عن إرثها المعماري غبار الإهمال ، وينشرون إبداعاتهم على المنابر ،وفي المحافل وفي تضاعيف الكتب وسائر الأعمال الفنية.
كان الراحل الدكتور نزيه كبارة في مقدمة هؤلاء إذ جعل الثقافة همه الأوحد سواء في التدريس الجامعي أن في رئاسته للمجلس الثقافي للبنان الشمالي أم في الندوات والمحاضرات التي أقامها وشارك فيها، أم في الكتب التي صنفها في مختلف فنون المعرفة ام في عشقه الصافي للغته الأم. ولا تزال محفورة في ذاكرة بعض الفعاليات الثقافية التي أقامها ودعيت إليها أيام عملي القضائي في طرابلس. هذه المفارقة تجعلنا بين واقعين: مر وجميل ،لكنها تثبت أن الثقافة ولو إدلهمت الأزمات ، تبقى تحت الرماد جمرا متحفزا لبث الدفء في القلوب ونورا لا بد له من ان يشرق ويضيىء الحياة.
فضل نزيه كبارة على هذه المدينة انه جهد لكي يستحق يومها صفة امسها، لكي تعود الحياة الثقافية علامتها الفارقة المسجلة في دفاتر المستقبل.ولقد نجح في الأمر نجاحا يشهد به كل مثقف في هذه المدينة، كما تشهد به إنجازات تراكمت بات من الواجب جمعها في اعمال كاملة تباهي بها طرابلس وتكون ذخرا للوطن والناشئة والباحثين.
يوم رحيله نعته وارة الثقافة ببيان مما جاء فيه:” طرابلس حاراتها ،اسواقها، نهرها،قلعتها،بحرها، عطرها، بساتينها تقف كلها حزينة لفقدان الدكتور نزيه كبارة العلامة الثقافية البارزة في الفيحاء وكل لبنان سحابة عقود طويلة.كان رحمه الله إنموذج العطاء في اي منصب شغله ولأنه مستحق كل تكريم قرر فخامة رئيس الجمهورية ،بناء على طلب وزير الثقافة وبمؤازرة مشكورة من دولة رئيس مجلس الوزراء منحه وسام الإستحقاق الفضي ذا السعف تقديرا لما اسداه للبنان من خدمات ثقافية مميزة.
اعرف ان صدره احق بأن يعلق عليه الوسام وهو حي. وكنت قد اعددت للأمر لكن القدر كان سبّاقا وبكل اسف يحضرني في هذه المناسبة قول عمر ابي ريشة:
ما إعتاد هذا الشرق ان يهدي إلى نبغائه الأحياء اجر مناصر.
وإني إذ أسلمه الآن إلى عائلته في يوم ذكراه أعلن واثقا ان الدكتور نزيه كبارة كان هو بذاته الوسام والفضة بل والذهب والسعف.
هذا وفي ختام اللقاء سلّم المهندس ربيع كبارة عائلة الفقيد درعا تقديريا بإسم رابطة آل كبارة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار