الدينيةالمحلية

“وقفة أسلوبية مع خطبة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله) في  استقبال شهر رمضان  المبارك”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.أمل الأسدي..

جاء في خطبة رسول الله الأعظم (صلی الله عليه وآله) في استقبال شهر رمضان :
[أيها الناس! إنَّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتّحة فسلوا ربّكم أن لايغلقها عليكم، و أبواب النيران مغلّقة فسلوا ربّكم أن لايفتحها عليكم، و الشيّاطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لايسلّطها عليكم] ولو دققنا في  هذا الجزء من الخطبة لوجدنا خصائص أسلوبية  قصدها الرسول الأعظم   في خطابه وهو الذي (( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ۞إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ))سورة النجم،الآيتان:٣-٤
ومن هذه الخصائص :

١- أسلوب النداء ( أيها الناس) وجاء هنا لترقيق قلوب الناس ولفت انتباههم الى عظمة هذا الشهر.
٢- أكد  ( صلى الله عليه  وآله وسلم) الخطابَ بـ ( إنّ).
٣-  قدم المتعلق  فلم يقل ” إن أبواب الجنان مفتحة في هذا الشهر )، بل قال: ( إن أبواب الجنان في هذا الشهر  مفتحة) لبيان أهمية هذا الشهر وعظمته .
٤- ذكر الجنة وبابها  بصيغة الجمع،  أبواب ، جنان وذكر النار أيضا بصيغة الجمع( نيران).
٥- التضعيف في كلمتي مفتّحة ومغلقة، وذلك لبيان سمة القوة والإحكام  في فتح أبواب الجنان وغلق أبواب النار ، فلم يقل “مفتوحة ” مثلا ، ولم يقل مغلقة  .
٦-  خاطب الناس آمراً بأن   يسألوا ربهم أن لايغير طبيعة هذا الشهر نتيجة لذنوبهم فقال لهم ( سلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وسلوا ربكم أن لا  يفتحها عليكم، وأن لا يسلطها عليكم ).
٧- استعمل كلمة ( ربكم ) ولم يستعمل  لفظ الجلالة ( الله ) ؛ لأن اضافة كلمة ( رب ) الى الضمير (كم) كان بمثابة تذكير للمخاطبين  بأنه ربكم  قريب منكم  عارف بأحوالكم، وهذا يتناسب بما أمرهم به من دعاء وسؤال لله بعدم غلق أبواب الجنة وعدم فتح أبواب النار) وفيه تبيان لشدة قرب الله تعالى من عباده فضلا عن دعوته( صلى الله عليه وآله) الى تواصلهم مع الباري عز وجل وحثهم علی ذلك.
٨-” والشياطين مغلولة”  والغُلُّ : طوقٌ من حديد أَو جلد يُجعَل في عنق الأَسير أَو المجرم أَو في أَيديهما والجمع : أَغْلالٌ، وهنا  إشارة الى عجز الشياطين عن وسوستها وحثها لبعض بني البشر على الإثم وارتكاب المعاصي، وربما يخطر في الأذهان  سؤال وهو :  من وراء ما يقوم به الإنسان من أعمال منكرة في شهر رمضان  والشياطين مغلولة؟
  والإجابة تكون : إنها بفعل النفس الأمارة بالسوء، فعلينا أولا محاربة الهوى ومجابهة النفس  واستثمار  غل الشياطين وعجزها لصالحنا ،كي نجني ثواب الدنيا والآخرة ، هذا من باب، ومن باب آخر فإن الرسول الأعظم قد طلب من الناس أن يسألوا  ربهم أن لا يسلط الشياطين عليهم ، وهذا يعني أن من حرّكته نفسه  الأمارة بالسوء نحو الآثام والمعاصي، حينها سيستبعد من رحمة الله وسيسلط الله تعالى عليه  الشياطين  ويزيل أغلالها.
٩-   يمكن ملاحظة ( مفتّحة، ومغلّقة، مغلولة) وهي مفردات على صيغة اسم المفعول ، إلا أن الاختلاف في  الفعل الذي صيغت منه فـ( مفتحة ومغلقة) صيغت من فعّل بالتضعيف  فُتّحت = مفتَّحة، غُلَّقت= مغلَّقة
أما مغلولة فهي من الفعل  غُلَّ، غُلَّت = مغلولة
وفِي هذا دلالات ومنها في المفردتين ( مفتحة ، مغلقة) التكثير والإحكام  والتشديد في الغلق والفتح، كما ذكرنا، أما ( مغلولة) فلم تعط معنى التشديد والإحكام وذلك لأن الأمر موكل بإيمان الإنسان  وشدة التزامه واحترامه لهذا الشهر،وقدرته على مجابهة النفس ومحاربة الهوى، ولاننسى أن ( اسم المفعول) يشتق من الفعل المبني للمجهول ، وفِي هذا أيضا دلالة وهي لبيان عظمة الفاعل وجلالته وهو الله تعالى.
١٠- نلاحظ أيضاً تأكيد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله) عن طريق تكراره ( فسلوا ربكم ) التي تكررت ثلاث مرات، إذ إن تكرارها شكل سياقاً ترك أثره في نفس المتلقي وهو ضرورة اللجوء الى الله تعالى والتماس التوفيق منه في إمضاء أمر تفتيح الأبواب وتغليقها، وغل الشياطين.
١١- التقابل بين ( الجنان ، النيران) و (مفتحة، مغلقة) الذي  أثار ذهن المتلقي واستفزه  صوتياً ودلالياً ، ونبهه الى أهمية هذا الشهر ، ولفت انتباهه الى عظيم ثوابه ،  فهو شهر الله الذي لا يتكرر في العام الّا مرة واحدة.

كانت هذه لمحات أسلوبية في خطبة رسول الله( صلى الله عليه وآله ) في استقبال شهر رمضان، فالبلاغة والفصاحة من أهم صفاته وأجلاها،وقد قال تعالی:((وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۞نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ۞عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ۞بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)) سورة الشعراء،الآيات:١٩٢-١٩٥
فكلام الرسول الأعظم وأهل بيته (صلوات الله عليهم)دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار