المحلية

مسرحية الممرات الإنسانية.. إلى متى التغاضي عن حل سوريّ شامل؟

د. يوسف حسن- لم تمضي أشهر قليلة حتى سمعنا مرّة أخرى إنعقاد اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة تمديد إدخال المساعدات من معبر باب الهوى شمال مدينة إدلب، واحتدام المباحثات وادعاءات من هنا وهناك.
لكن ما يثير التساؤلات في أذهان الجميع ونحن منهم، لماذا لا يجتمع مجلس الأمن لمناقشة حل سياسي شامل للملف السوري ينهي الاحتلال الأمريكي و التركي للاراضي السورية، ويلزم الجميع بالقبول بحل سوري-سوري.
بينما يجتمع مجلس الأمن الدولي بعدده وعديده من أجل مناقشة معابر المساعدات فهل يصعب عليه مناقشة حل سوري نهائي ينهي معاناة شعب بكامله.
المساعدات الدولية لسورية تعقيد أم حل؟ منذ أكثر من عشر سنوات وهذه المساعدات تأتي للشمال السوري تزداد و تنقص بحسب الحاجة، وحالياً وبعد سنين طوال لا زالت طريقة المساعدات لا تسمن و لا تغني من جوع، بل لا آليةً واضحة ودقيقة لكيفية توزيع هذه المساعدات في ظل فوضى المليشيات واعتباراتها وغياب شفافية في الرقابة على عمل منظمات المجتمع المدني، والضبابية في تفاصيلها، ولا توجد بيانات رسمية بخصوص ذلك، والمساعدات الدولية كانت على مرّ التاريخ الحديث وخلال العقود االماضية خطة فاشلة و غير مدروسة، بل وكانت إفشال للمجتمعات، ويسودها التسيس و التحيز.
السودان، الصومال، العراق، ميانمار وفلسطين والعشرات من الحالات المماثلة خلال الفترة مابعد الحربين العالميتين تثبت فشل هذه الآلية، وتحولها لوسيلة ضغط على رقاب الشعوب المنهكة من الفوضى و الدماء و الجوع.
السياسة الفاشلة في تقديم وتوزيع هذه المساعدات وقلتها مقارنةً بحاجة العوائل المستفيدة منها، تثبت أنها آلية فاشلة و ليست مجدية.
هل تحل المساعدات مشكلة النازحين أو اللاجئين؟ هل هذه المساعدات ساهمت في إعمار أي مدينة أو بلدة؟ هل دعمت هذه المساعدات عودة الحياة الطبيعية الى أي دولة؟
المساعدات لا يمكنها مهما قلت أو كثرت أن تفي بحاجة العوائل التي عانت ويلات الحروب فالبيوت مدمّرة والأعمال متوقفة، وطالما لم ينتج الفرد أو لم تنتج العائلة فلن تنتج هذه البلاد، وستظل متسولة لتلك المساعدات من قبل المانحين.

*ما هو الحلّ؟
فالمساعدات خلال عقد من الزمن لم تحل أي مشكلة من مشاكل السوريين، وليست سوى تسكين لتلك الآلام التي لا تنتهي اللازمة لقلوب السوريين منذ اندلاع الحرب. مؤشرات الأمم المتحدة لخط الفقر في سورية تشير إلى أن نسبة كبيرة من السوريين في مناطق الدولة أو المسلحين أو قسد يعيشون تحت خط الفقر، وهذا يشير إلى أن كل أنحاء البلاد تعاني، وأن المساعدات لم ولن تكون الحل الأجدى.
فالمواطن السوري في الداخل أو الخارج بحاجة إلى الاستقرار و العودة لبلده، وتزداد الضغوط عليه في تركيا و لبنان وقريباً في مصر والأردن والعراق، فلماذا لا تفكر مجموعة هذه الدول التي يعيش فيها اللاجئون السوريون أنها تدفع ضريبة من أمنها ومقدراتها في هذا الإطار، وأن تكثف جهودها للعودة الطوعية للاجئين باعتبارها الحل الوحيد لمعاناتهم.
أما السؤال الأهم الذي يدور في ذهن المجتمع الدولي وكذلك اللاجئين هو كيف يعود اللاجئ لبلد فرّ منه خوفاً وجوعاً فإذا قبلت الحكومة السورية بتسوية وضعه أمنياً، وهذا ممكن، فكيف يمكن حل مشكلة جوعه وفقره وخوفه من مستقبل مجهول، ومن يبني له بيته المدمر؟ وكيف يمكنه العيش بلا ماء و لاكهرباء وقد تدمرت البنية التحتية بفعل الحرب الظالمة التي أتت أحرقت الأخضر واليابس في البلاد؟ وكيف يعود اللاجئون و هم يسعمون معاناة من يقطنون في الداخل ويتلقفون عجزهم عن تأمين لقمة خبز وحبة دواء و لتر محروقات؟! إذاً لابد أولاً من الإعمار أو حتى على الأقل البدء به و تأمين الحاجات الأساسية للحياة المعيشية وترميم البنية التحتية، وتأمين الخدمات الأساسية كالتعليم والطبابة، لكن هل تستطيع الدولة السورية أن تؤمن ذلك في ظل احتلالين و عقوبات؟

*تبعات الاحتلالين الأمريكي والتركي
تسيطر أمريكا بكل صفاقة و وقاحة على منابع الطاقة في الشرق السوري و تنهب خيرات سورية من النفط نهاراً جهاراً دون رادعٍ أو ناقد و تفرض سيطرتها على كل آبار النفط هناك و حقول الغاز و كذلك تحاول فصل محافظات الرقة و الحسكة و جزء من دير الزور و حلب عن محيطها و هذه المناطق التي تحاذي السرير النهري لنهر الفرات تعد سلة الغلات من قمح و شعير و التي تعد الثروة الزراعية و كبد سورية و قلبها لكن هذه الخيرات للأسف تتعرض للنهب الممنهج من قبل الأمريكيين الذي يحتلون سورية بدون وجه حق و بتحدٍ واضح للقوانين و الأعراف الدولية. و سرقة النفط هذه تحرم الدولة السورية من ملايين الدولارات التي تحتاجها لتضميد الجراح و إعادة الإعمار و ترميم البنية التحتية. أما تركية فتسيطر على الشمال و تعطي عائدات المعابر للجولاني و الجبهة الشامية و غيرها من الفصائل و تتحرم السوريين من عائدات الشمال و خيراته و موارد المعابر وت
شل حركة الترانزيت التجارية عمداً لضرب الاقتصاد السوري.
لقد أثبت التاريخ و المنطق أن القضية السورية لا يمكن حلها إلا بإيقاف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية و أن الدور السلبي الذي يلعبه المحتل الأمريكي و المحتل التركي من نهب و سلب و احتلال و سيطرة على القدرات الاقتصادية و كذلك تحكمها بجماعات المعارضة المرهونة لتركية و للغرب يعيق حل شامل للقضية السورية و يعمق معاناة السوريين في دول اللجوء يوماً بعد يوم. وبينما يجتمع مجلس الأمن بين الفينة و الأخرى لمناقشة المساعدات.
لماذا لا يفرض مجلس الأمن بقانون تحت مظلة المجلس و الأمم المتحدة ينهي الإحتلال الأمريكي لشرق سورية و ينهي الاحتلال التركي للشمال و ذلك بعد أن وصل المجتمع الدولي لقناعة مطلقة عما جرى في سورية و مدى شدة و قسوة و شناعة الإرهاب الذي عانت منه و ها هي الدول العربي تعيد قراءتها للموقف في سورية و تعيد علاقاتها مع الدولة السورية بل و تفتتح سفاراتها في دمشق و بالتالي لماذا لا يضغط المجتمع الدولي و الجامعة العربية و كل من يتحدث عن قضايا اللاجئين السوريين عبر مجلس الأمن لإنهاء عقد من الدماء و الحرب و الدمار و التشتت من خلال تمكين مؤسسات الدولة و تطبيق القوانين الدولية بخصوص القضية السورية لكن بعد إخراج المحتلين الذين ينهبون خيرات هذا الشعب المظلوم الجريح. فلماذا هذه المواربة و حرف الحقائق فلا عودة بلا إعمار و لا إعمار إلا بخروج المحتلين لموارد هذا البلد وهما تركيا و الولايات المتحدة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار