المحلية

كتب هادي جلو مقال بعنوان ‘القضاء آخر السدود العظيمة’

القضاء آخر السدود العظيمة
هادي جلو مرعي
سذاجة البعض تدفعه لحصر تفكيره في مرحلة زمنية محدودة. وحين يتم تعبيد طريق ضيق دون التفكير في الحاجة لإستيعاب عدد السيارات في المستقبل، وتزايد عدد السكان فذلك يشكل عامل قلق على النية في بناء دولة متماسكة، وهناك يمكن النظر الى المسؤول بوصفه ذكيا قائدا وتحديدا حين يتحرك وفق رؤية واضحة، وخارطة طريق لكي لايغوص في المتاهات، ويستغرق في التفاصيل غير الضرورية مع إن التفاصيل لاتهمل في الغالب، ومن هنا يجدر الحديث عن الدولة بوصفها مؤسسة راعية لمصالح المجتمع، قيمة على شؤونه لا لكي تستعبده، بل لتخدمه، وتوفر له ضمانات العيش الكريم والحياة المستقرة المحمية بالقوانين النافذة التي يسهر على تطبيقها رجال وعاة لايتأثرون بمغريات، ولايخشون العواقب لأن العاقبة الوحيدة المهمة هي عاقبة الخير للوطن وللشعب ولمستقبل الأجيال برغم الضغوط ورغم الفساد ورغم الألم والتحدي الصعب.
سمعت كلمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في قمة القاهرة للسلام التي ناقشت العدوان على غزة، وكانت كلمة معبرة عن حقيقة العراق، ومايعتمل في نفوس العراقيين من حب لفلسطين وتضامن مع قضيته، ولقيت إشادة من مراقبين وسياسيين ومعلقين، وكانت تعبيرا عن الوجدان الشعبي العراقي، ولفت إنتباهي كاتب يظنه كثر متماهيا مع رغبة التغيير، ويكره النظام السياسي، ويتمنى زواله مع إنه كان يمكن أن يندمج بذلك النظام لولا إن الصراعات الداخلية بين قوى المعارضة للنظام السابق أبعدت البعض، ومكنت آخرين من الحصول على مكاسب جمة، وتحققت لهم رغبات ماإستدعى غضب أصدقاء سابقين، أو شركاء في زمن المعارضة، فصاروا لايفرقون بين النظام السياسي، وبين موظف، أو مسؤول يتصرف بطريقة جيدة، ويؤدي دورا محمودا في محاولة لتخفيف معاناة الناس، وتحقيق تطلعاتهم، وهذا الكاتب بالرغم من إدعائه المفهومية لكنه لم يفصل بين عدائه للنظام، وبين كلمة ألقاها السوداني في قمة القاهرة، وكانت محل تقدير العراقيين، وبدأ يتحدث عن خطورتها، والنقمة التي ستجلبها على العراق والشعب العراقي لأن السوداني إنتقد الكيان الصهيوني والنظام العالمي الفاشل، في حين إن الرؤساء العرب وشخصيات عالمية قالوا ذات الشيء، وهددوا وتوعدوا ورفضوا كالسيسي الذي رفض مبدأ تهجير أهالي غزة، وكان يجدر بهذا السيد أن يفهم طبيعة تلك الكلمة وتأثيرها. فهي ليست إعلان حرب، بل كلمة تعبر عن وجدان كل عراقي وإن إختلف مع السوداني ووجدان كل عربي يرى فلسطين بعين أبنائها ومحبيها.
للأسف فقد إنسحب ذلك على التعاطي مع بقية مؤسسات الدولة ووزارتها، فطالما إن البعض لايحبذ هذا النظام السياسي، ويكره الإطار التنسيقي فإنه يرفض السوداني، ويرفض مايقوم به حتى لو أن السوداني كان سببا في دخوله الجنة فإنه سيرفض تلك الجنة طالما جاءت من مسؤول ليس مرغوبا فيه بالنسبة للبعض، بينما الواقعية السياسية تحتم علينا النظر الى الأمور وفقا لمعادلة الخطأ والصواب طالما إن المسؤول أصبح مسؤولا بالفعل، ولامناص من التعامل معه بوصفه الوظيفي، وليس السياسي، وقد تعرض القضاء العراقي الى هجمات متتالية ومحاولات تسقيط مع إنه مؤسسة واعية ومدركة للتحديات، وتعمل على الفصل بين العمل القضائي وتأثيرات السياسة، وربما كانت قرارات القضاء سببا في ذلك فمن لم يعجبه قرار قضائي صب جام غضبه على المؤسسة القضائية، وكأن هوس رفض كل شيء، والإعتراض على كل شيء، ورفض كل شيء يأتي به الخصم حتى لو كان جيدا أصبح مرضا لاشفاء منه للأسف، بينما القضاء بالفعل فهو آخر السدود العظيمة التي يريدون لها أن تنهار وكأنهم يتقمصون دور شمشون مجردين عن الوعي، وضرورة التضحية من أجل الوطن الذي يحتاج الى من يرسخ مفاهيم العدل والقانون والسلام فيه، ويحميه من العدوان والتجاوز من أي جهة جاء ذلك العدوان.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار