المحلية

عن الامام المهدي

محمد عبد الجبار الشبوط..
يعتقد فريق من المسلمين بولادة طفل اسمه محمد في في مدينة سامراء في الخامس عشر من شهر شعبان من عام ٢٥٥ او ٢٥٦ الموافق ٢٩ تموز عام ٨٦٩. ابوه هو الحسن العسكري، الذي يعتبره هذا الفريق الامام الحادي عشر لهم، فيكون محمد بن الحسن هو الامام الثاني عشر، وبه تختتم عندهم سلسلة الائمة الاثني عشر. لكن الجديد في قصة هذا الامام بالنسبة للمؤمنين بولادته انه غاب بعنوانه عن الانظار في عام ٢٦٠ هجرية، فيما يسمونه الغيبة الصغرى التي استمرت حتى عام ٣٢٩ هجرية حيث بدأت الغيبة الكبرى التي مازالت مستمرة حتى الان عندهم.
يرتبط الايمان بهذا الامام بالاعتقاد بانه سوف يظهر مرة ثانية “ليملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا”. وهذه الجملة الواردة ضمن مجموعة نصوص واحاديث تروى عن النبي وغيره من الائمة تشكل حجر الزاوية في قصة الايمان بهذا الشخص. فسواء ولد ام لم يولد بعد، وسواء امن الانسان به او لم يؤمن، فالموضوع مرتبط بالايمان بمستقبل افضل للبشرية بعد عصور من الظلم والجور مرت بها وعانت منها.
والايمان بمستقبل افضل لا يختص بهذه المجموعة من الناس، انما هي عقيدة يشاركهم بها العديد من اصحاب المعتقدات والمذاهب والفلاسفة والمفكرين لعل من اشهرهم كارل ماركس وانجلز اللذين توقعا ان تصل البشرية الى حالة غير مسبوقة من السعادة تختفي معها الطبقات المستغلة (بكسر العين) وتختفي معها حتى الدولة بوصفها الاداة القمعية بيد هذه الطبقات.
وهذا يقتضي القول بان الحركة التاريخية للبشرية تسير في خط بياني تراكمي تقدمي. وهذا هو جوهر فلسفة التقدم التي قال بها عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين، انطلاقا من مشاهدة حركة التاريخ منذ ظهور البشرية الى اليوم. فلم يعد بالامكان انكار ان البشرية تحرز خطوات كبيرة وملموسة في التقدم الفكري والعلمي والتكنولوجي وغير ذلك بشكل مستمر ومطرد منذ فجر التاريخ الى اليوم. ولعل نقطة الخلاف الوحيدة بين المفكرين تدور حول طبيعة التقدم هل هو حتمي ام ارادي، اي متوقف على ارادة الانسان. والجواب يكمن في فهم قوانين التاريخ، وهذا ما فعله السيد محمد باقر الصدر، حيث قسم قوانين التاريخ الى ثلاثة انواع هي: القوانين الحتمية (لا دخل لارادة الانسان فيها)، والقوانين الشرطية (وشرطها هو ارادة الانسان وعمله)، والاتجاهات العامة في التاريخ. لكن المحصلة النهائية لهذا البحث هو القول بحتمية التقدم بالنسبة للبشرية حتى وان شهت مسيرتها التاريخية حالات من النكوص او الارتداد او السقوط، لكن في المحصلة النهائية الاجمالية فان البشرية تتقدم بخط بياني متعرج، لكنه تراكمي حتى تملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا. وهذا ما تشهد به وله الملاحظة العيانية لمجمل حركة التاريخ. والايمان بفكرة الامام المهدي، او المهدوية، وبغض النظر عن الشخص نفسه، هو تعبير عن الايمان بمستقبل زاهر وسعيد للبشرية. وفي هذا السياق نستطيع ان نلاحظ ان الخط البياني لحركة البشرية خلال ال ٥٠٠ سنة الاخيرة يسير بوتيرة تصاعدية لم تشهدها البشرية من قبل. وبسبب الطبيعة التراكمية لهذا السير فان وتيرة التقدم تتسارع كل يوم. ولا يضر بهذا القول ان بعض المجتمعات، كالمجتمع العراقي مثلا، تخرج عن خط السير التكاملي لبعض الوقت، لكن الصورة الاجمالية لسير البشرية تسمح بالاعتقاد ان هذه المجتمعات الخارجة عن خط التقدم التاريخي سوف تعود اليه، سوية مع بقية المجتمعات الاخرى.
فكرة الدولة الحضارية الحديثة تأتي في سياق هذه النظرة للتاريخ. والذين يؤمنون بالامام المهدي هم اولى الناس بامكانية قيامها في مجتمعاتهم وعلى اكتافهم.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار