الثقافيةالمحلية

رحلة اليقين بعد الشك

رباب طلال مدلول

يُقال إن الواقع هو ما نصنعه بأنفسنا، لم أكن أؤمن بهذه المقولة من قبل، كنت أرى في هذا الكلام نوعًا من جلد الذات وتحميلها ما لا تقدر عليه، لكن اليوم، بعد أن خضت تجارب قاسية مع هذا الواقع المر، أدركت حقيقةً أن ما كنت أرفضه سابقًا هو مفتاح السلام الداخلي، أصبحت مؤمنة بشدة بأن رؤيتي لواقعي هي ما يمنحه معناه الحقيقي، لا يهم كم يبدو الواقع بعيدًا عن أحلامي، ولا يهم كم يبدو قاسيًا، موحشًا، أو صعبًا، ما يهم حقًا هو كيف أقرر أن أرى هذا الواقع وكيف أختار التعامل معه،
أأجلس في زاوية غرفتي، أذرف الدموع على كل ما فاتني، غارقة في بحر من الندم والخوف؟، وأفكر في كل الفرص الضائعة، في كل الأحلام التي لم تتحقق، وفي كل المخاوف التي تتربص بي من المستقبل، كان يمكنني أن أظل هكذا، أسيرة لهذه الأفكار، رهينة للألم، لكن ماذا سيجلب لي ذلك سوى المزيد من الحزن؟ هل سأقضي حياتي في انتظار شيء لا أعرف حتى إن كان سيأتي؟
لقد وصلت إلى نقطة أدركت فيها أن البكاء على الماضي لن يغيره، والخوف من المستقبل لن يمنع قدومه، في تلك اللحظات، بدأت أتعلم كيف أنظر إلى الأمور من زاوية أخرى، بدأت أرى في كل تجربة درسًا، وفي كل خيبة أمل فرصة جديدة، بدأت أفهم أن الله، بحكمته التي قد لا ندركها دائمًا، يختار لنا ما هو أفضل، ربما ما رحل عن حياتي لم يكن يحمل لي الخير، وربما ما سيأتي يحمل في طياته بركة لم أكن أتوقعها،
بدأت أتعلم كيف أثق في أن “الخيرة فيما اختاره الله”، هذه الكلمات التي كانت تبدو لي في الماضي مجرد عبارة تقال لتخفيف الألم، أصبحت اليوم حقيقة أعيشها، أدركت أن كل شيء يحدث لسبب، وأن الله، بعظمته ورحمته، لن يخذلني أبدًا، ربما تأخرت هذه القناعة في الوصول إليّ، لكن الآن، بعد كل ما مررت به، أصبحت جزءًا من كياني،
لطالما كنت فتاة تعاند القدر، ترى فيه شيئًا من الظلم أو القسوة، كنت أشعر بأنني ضحية لأحداث لم أختَرها، وأن حياتي تسير في اتجاه لم أرده، كنت أرى في الأقدار سلسلة من القرارات الخاطئة، وألوم نفسي على كل ما حدث، لكن الآن، وبعد أن نضجت تجربتي، أدركت أنني كنت أسجن نفسي في قفص صنعته بيدي، كنت أسمح للخوف والندم بالتحكم في حياتي، وكنت أعيش تحت وطأة الماضي والمستقبل، متجاهلةً الحاضر،
لكن الآن، بعد كل ما مررت به، أجد اليقين يتسلل إلى قلبي، أجد نفسي مؤمنةً بأن ما يحدث لنا هو جزء من خطة أكبر، خطة لا نراها بوضوح، لكننا نثق في حكمة من يدبرها، الآن أنا أؤمن بمشيئة الرب، وأسلم نفسي كليًا لما سيختاره لي الله، أشعر بأنني أخيرًا وجدت الراحة في التسليم، ووجدت السلام في الثقة بأن ما سيأتي هو الأفضل،
ربما كانت هذه الرحلة صعبة، وربما كانت مليئة بالشكوك والألم، لكن في النهاية، وجدت نفسي، وجدت إيماني، ووجدت السلام الذي طالما بحثت عنه، والآن، كلما واجهتني تحديات جديدة، أتذكر هذه الرحلة، وأعلم أن الله، في حكمته، يحدث بعد كل ذلك أمرًا، وأن هذا الأمر، مهما كان، هو خير لي،
﴿وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ (سورة البقرة، آية 216)

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار