المحلية

العبودية وتجارة الرقيق في العراق (الجزء الأول)

ــــــــــــــــــ
د.أمل الأسدي
قديما في العصر العباسي،اشتهرت بغداد ببيع العبيد،وكان لهم سوق  مشهور يسمی (سوق الرقيق) فالحروب كثيرة، والأسری والغنائم تتری علی الخلافة العباسية من كل حدب وصوب، حتی وصل الحال بقارون عصره( هارون)أن يرفع رأسه وينظر  الی الغيمة بتحد قائلا:(أيتها الغيمة،أمطري حيث شئت،فإن خراجك عائد إليّ) ولا أريد الخوض في ذهبية العصر التي لاتتجاوز حدود القصر،ولا أريد التحدث عن جواري القصر، وإنما أريد التركيز علی قضية استعباد الإنسان ومصادرة حقوقه  آنذاك،فكان الاستعباد معلنا مُبَرَّرا، وله مكان وهو السوق الذي ذكرناه آنفا، وهناك نوع آخر،وهو استعباد الشيعة ومحاربتهم،وتشريدهم،وملأ السجون بالعلويين وأتباعهم، فلاحرمة لهم ولا لمنازلهم ولا لأموالهم،وتعج المصادر التأريخية بأخبار مظلومية أهل البيت وأتباعهم،وتعج أرض العراق بالمقابر والأضرحة!!
إذن نحن نتحدث عن تطور تجارة الرقيق عبر الأزمنة،فسابقا كان العبيد من ذوي البشرة السوداء،وكانوا خليطا(نساء ورجال وأطفال) لكن مع  التغيرات التي تعرض لها العراق،تغير شكل العبيد، وتغير المحتوی،وتغير التمظهر،وظلت محاولات الاستعباد قائمة،وأحكام التهميش والقتل والاقصاء جاهزة، وقد عانی شيعة العراق من طائفية الحكم العثماني،إذ كانت الفرمانات والفتاوی جارية ضدهم،حتی لايُسمح للشيعي أن يدخل المدرسة وأن يتعلم،ولايسمح له بالعمل في وظائف الدولة،ولايسمح له بدخول المدرسة الحربية،ولايسمح له بزيارة الأئمة أو إقامة الشعائر والطقوس العاشورائية،ظلم وقتل بالجملة،حتی فرّ الكثير من العوائل من مذهبهم وتسننوا للخلاص من البطش،ومن هذه العوائل عائلة( نوري السعيد) التي تركت مذهبها من أجل الحصول علی فرصة التعليم،حين أراد جده أن يدُخل والدَه (فتاح) في المدرسة الرشدية ليلتحق بعدها بالكلية العسكرية ويصبح ضابطا في الجيش العثماني،فأخبره صديقه المتصرف أن التعليم محظور علی الشيعة،ولاسبيل إلی دخوله المدرسة الرشدية إلا إذا تركتم مذهبكم الجعفري وانتقلتم الی الحنفي!!
تخيل كان الناس في عاشوراء يجلسون امرأةً تطحن بالرحی أمام الدار، حتی تغطي علی صوت مجلس العزاء المقام في سراديب  البيوت!! وهكذا ظل الشيعة محرومين من حقوقهم وخيرات أراضيهم، ولم يتغير الأمر في عهد الانكليز والملكية، فكان شغلهم الشاغل هو إبعاد الشيعة عن حقوقهم الطبيعية كمواطنيين يشكلون أغلبية البلد !!
ولعل العصر الذهبي الوحيد الذي عاشه العراق بعد خلافة علي بن أبي طالب(مؤنسن الحياة) هو عصر عبد الكريم قاسم الذي أنصف الفقراء،وأزال الطبقية،وقوض الإقطاعية،فأصبح العراق متمدنا يحترم الإنسان،وللأسف لم يدم ذلك طويلا،فلابد أن تُحارَب الإنسانية!! ذهب الزعيم وبقي حاضرا بعمله،وبقيت إنسانيته علی قيد الحياة!!
وجاء الحكم البربري مجددا إلی العراق،فقدر هذه الأرض أن يفض أمانيها البرابرة!!  هنا صار للرقيق سوق آخر!! سوح الحروب المفتوحة الأفواه،والزنازين الجائعة، والظلمات الثابتة،والصرخات والآهات والويلات والجوع والحرمان والخوف والترقب،هكذا كانت الحياة، نخرج من حرب نقع في أخری،هكذا عشنا وهكذا نشأنا،فكابوس العسكرية الإلزامية،كابوس حتمي كالموت،لاخلاص منه!! امتلأت آذاننا بعبارات: عليش تدرس؟ أول تالي أبو خليل!!
ـ عليش تحصل شهادة وبعدين يجي واحد فلسين ما يسوه يهينك گدام الجنود ويضربك راشدي يسطرك سطر!!
ـ لا يمعود،ادرس احسن بالأقل تخلص من العسكرية كم سنة
ـ هي الشهادة وين الها قيمة بربكم؟
ـ أدري واذا درست،شتفيدني الشهادة؟ عود اتعين؟ الراتب شسوي بي،اشتري بي طبقة بيض؟
ـ مو گدامك اني درست شحصلت، فاتح لي چنبر وكل يوم البلدية حايدتني!
سوداوية وأيام معتمة وطريق ممتد ولا نهاية له!! تصور أن بعض الجنود كانوا يرددون( ريت ربي خالقني امرية، وياخذني الرجل واگعد بفيه)
لاخلاص ولا كرامة،ولا طريق ميسر  للفرار من هذا الواقع إلا من أُتيحت له الفرصة أو أجاد اللعبة!!
نشأنا ونحن نسمع: عمي لو تعيش فگر وتسكت لو تقبل بالحرام!! شوف فلان كله ياخذ دروس خصوصية!!
ـ شوف بيت هذي المدرسة، ماخذتهم خصوصي وتالي رسبوا،وهسة هدوا عليهم يريدون الفلوس!!
ـ  يمعود كله حرام،وحقك ينطوهم الاسئلة،خلينا ساكتين يمعود
ـ همدا الشهادة والله، زوجتي عدها ولادة ولازم اقل شي عندي فد 25 الف،ما بقيت شي ما بعته،بيتنا جامع صار
وقد تتعرض لهمز قريبك (فيترچي السيارات) ولمزه وهو يعيرك بأن شهادتك لافائدة منها،ويعرض عليك العمل عنده فيدفع لك مبلغا أفضل من راتبك البخس!!
وقد يمنع الأهل بناتهم من إكمال دراستهن الجامعية،فلا حرمة للجامعات،وابن القائد يتجول وينتقي أجملهن،والبعثية وملاحقتهم للفتيات ومساومتهن فإما الانتماء والانقياد وإما التقارير جاهزة،كل هذا والمسكوت عنه أكثر!! بربكم كيف يكون الاستعباد؟ وما هو تعريفه؟
وصورة تلك المرأة التي ينتزعون منها طفلها الرضيع، ويأخذون زوجها معتقلا،وهي تتوسل بهم أن يعيدوا طفلها،فيدفعها الرجل الأقرع المصفر، بيده المتينة وزيه (السفاري) يدفعها ويقول: ولي لچ انعل….
ماذا يسمی ذلك؟
وحين تضطر الأم أن تسجر تنورها وتحرق كل كتب المنزل خوفا من رجال الأمن الذين اقتحموا منزلها وأخذوا ولدها الطالب الذي أرهقه السهر وأتعبته الدراسة!!
وحين تركع الأم الشيعية لامرأة ساقطة، وتتوسلها أن تتوسط لابنها المعتقل عند  العشيق القيادي  الفلاني!!
إنه زمن الاستعباد الصدامي يا سادة!!
مرحی أيتها الحياة التي عشناها!!

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار