المحلية

الحب الالهي ..

الكاتبة سرى العبيدي
سفيرة الجمال والطفولة والإبداع العالمي.

تجربة الحب الالهي تجربة إنسانية رائعة ، لايدرك أبعادها ، ولايعي مضامينها الا أولئك الذين عاشوا مشاعر الاستغراق في أبدية الحب والشوق الالهي العميق .
أولئك الذين مزقوا حجب ( الانا) وأحاسيس الانفراد فاذابوها في أبدية الحب والتجرد المطلق ، وعاشوا في ذهول عن عالمهم الذي مابرح يحكم قبضته ، ويقوي أسوار سجنه ، ويرسل شتى صنوف الاغراء والاستهواء للاستحواذ على قلب الإنسان وعقله ، فانطلقت تلك المشاعر التي أخصبتها تجربة الحب الإلهي من اعماق وحدتها تمزق أطر التحيز ، وتهدم حصون الأنانية المغلقة لتنطلق الذات الإنسانية إلى عالم السعة والامتداد ، باحثة عن غاية الفطرة الكبرى ، خالق الإنسان ، مصدر الكمال ، ومبعث الحب والجمال ، لتعبر عن أحاسيسها ، وتترجم مشاعرها ، كلمات تعظيم وعبارات تقديس محققة لنفسها حالة الحضور والانشراح الدائم بذكر الله والثناء عليه .
فهو المعبود الذي لا يغيب ذكره ، والإله الذي لاتغرب عن النفس معاني وجوده ، فصفاته وافاضات حبه ، بالنسبة لهؤلاء الذاكرين هي النور الذي يملأ آفاق البحث عن الحب في ضمير الإنسان الذاكر ، وهي الحقيقة التي تستعبد قلبه وعقله فيؤلهها ، فيركع ويسجد ، ويسبح بالحمد والثناء ، ليعبر عن مشاعر الحب والعبودية في نفسه لله الأحد المعبود .
والإنسان في رحلة البحث عن الحب الإلهي هذه ، وهو يعبر عن علاقته بالله ، إنما يعبر عن حقيقة هامة ، تسري في أعماق كل موجود وتطفح على وجه كل حقيقة ، وهي : إن الله أحب خلقه ، وزرع جذوة هذا الحب والشوق في أعماق هذا الخلق ، لتكون روحا تشوُق الكون والإنسان إليه ، وكلمة سر تكمن في ضمير العوالم ، تتخاطب بها في مسيرة اللقاء تحت سرادق السير والاتجاه إلى الله سبحانه .
وبهذا العمق والتوجه والامتداد ، كان الحب الالهي حركة روحية ، تستهدف الإخلاد إلى قرب خالق الكون ، وغاية الحب في هذا الوجود ، وهي من خلال مسيرها المتعالي نحو الله سبحانه تسعى لإشباع نزعة الإحساس بفقر الإنسان ، والاستجابة لشعوره هذا نحو مصدر الكمال والافاضة على هذا الوجود المتحفز للتلقي والقبول ، والباحث عن القرب والانضواء ، والرافض للبعد والانفصال عن معبوده .
فهو لايرى حقيقة سواء تستحق الاستئثار بحب الإنسان واستيعاب وجهته وغايته في الحياة .
وبهذا الإحساس والشعور تبدأ مشاعر الحب الالهي تتكاثف وتنمو في نفس الإنسان ، فتغدو ديناً له ، وعبودية تستولي على ضميره ووعيه ، وبذا يكون هذا الحب ضربا من ضروب العبادة ، ومنبعاً من منابع الخير والسلام في هذه الحياة ، لان هذا الحب هو بداية التنازل عن ( الانا المغلق) ونقطة انطلاق في مرحلة إفناء الذات والإرادة الإنسانية في إرادة الله ومشيئته .
وعندما ينمو هذا الإحساس في ضمير الإنسان ، وتترسخ هذه العلاقة علاقة الحب والود بين الإنسان وخالقه ، يبدأ ذكر الله يعيش في نفس الإنسان إشراقاً لاتغيب شمسه ، وحضوراً لاينسى وجوده ، من هنا كان الذاكرون هم المقدسون ، اللاهجون بذكر المعبود ، المشغولون بالثناء ، والمستهامون بجمال الصفات وجلال الآثار ، وكمال الذات ، الذين استولى هذا الحب المقدس على نفوسهم ، واحتل كل مساحة ومتسع في قلوبهم ، فلم يعد لغير هذا المعبود متسع ، أو موقع في نفوسهم ، فغدت قلوبهم عرشاً للحب ومتسعاً للشوق .
وليس هذا الحب الالهي هو إحساس إنساني ضائع ، أو طرف سائب في معادلة العلاقة بين الله وخلقه ، بل هو حب متبادل بين الإنسان وخالقه ، ورابطة وفاء بين العبد وربه .
ويمتاز هذا الحب الالهي بأنه حب مخلص خالد ، لايدخل في بنائه عنصر الزمان ولاتشترك في اشادته عوامل النفعية الدنيوية الزائلة ، أو تعرض له عوامل الضمور والاضمحلال ، مازالت العلاقة صادقة في طرفها الإنساني ، مستقرة في جانب الانبعاث والاتجاه البشري .

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى