الدينيةالمحلية

البعثة النبوية منعطف في تاريخ البشرية

بقلم // مجاهد منعثر منشد
ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة قوله: (بعَثَ اللهُ سبحانه محمّداً رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم… وأهل الأرض يومئذ مِلَل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة: بينَ مُشبِّهٍ لله بخَلقه، أو مُلحدٍ في اسمه، أو مُشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة).
عند التأمل في جوهر البعثة النبوية الشريفة ومضامينها نستلهم الدروس العديدة من هذا المنعطف الكبير في تاريخ البشرية .
فلو تتبعنا بعمق سيرة الرسول قبل الدعوة وأثناء مراحلها ونقتطف من هذه الشجرة المباركة ثمار سلوك النبي وأخلاقه وفكره , ثم نغوص في سيرة بعض الشخصيات من أمته ونقارن بين السيرتين حينها نستخلص من هم الامتداد والمكملين لهذه البعثة ممن أوصى (صلى الله عليه وآله وسلم) بأتباعهم .
فالجانب الأول الذي نستلهمه من هذا المنعطف الدروس العديدة والتي ترشدنا بعدم الانحراف عن الخط المستقيم المفروض من الله سبحانه وتعالى بواسطة نبيه على البشرية ,فيقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: أضاءت به البلاد بعد الضلالة المُظلِمة، والجهالةِ الغالبة، والجَفوة الجافية؛ والناسُ يستحلّون الحريم، ويستذلّون الحكيم.. يَحْيَونَ على فترة، ويموتون على كَفْرة.
وعلى هذا فالبعثة المباركة لا نستطيع أن نقول عنها حركة اصلاحية , إنما بناء وصياغة جديدة للإنسان من خلال تغير ثقافته من ثقافة جاهلية إلى ثقافة ربانية .
والأصل هدم جذور عتمة العقول الشاملة على مختلف الأصعدة , وإخراجها من الغياهب إلى النور وفق منهج تحرك علمي في كافة مجالات الحياة .
والجانب الثاني , قلنا بناء الإنسان , بمعنى غرس قاعدة في عقله وروحه هي الأيمان بالله تعالى ,إذ ربط قلبه بعلاقة قوية مع من يملك القدرة اللامتناهية.
فمن الأمثلة على ذلك , روي عن أبي عبد اللـه (عليه السلام) قال: “استقبل رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) حارثة بن مالك بن النعمان الانصاري فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك ؟ فقال: يا رسول اللـه مؤمن حقاً. فقال له رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله): لكل شيء حقيقة، فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول اللـه، عَزَفت نفسي عن الدنيا، فأسهرتْ ليلي، وأظمأتْ هواجري، وكأني أنظر الى عرش ربي [و] قد وضع للحساب، وكأني أنظر الى أهل الجنة يتزاورون في الجنة، وكأني أسمع عواء أهل النار في النار. فقال له رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله): عبدٌ نوّر اللـه قلبه، أبْصَرْتَ فاثبُت. فقال: يا رسول اللـه ادع اللـه لي أن يرزقني الشهادة معك، فقال: اللـهم ارزق حارثة الشهادة. فلم يلبث إلاّ إياماً حتى بعث رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) سرية فبعثه فيها، فقاتل فَقَتَل تسعة – أو ثمانية – ثم قُتِل.
أما الجانب الثالث من البعثة الشريفة , ارتقاء الإنسان وتطوره عن طريق العلم , فعندما جاه الوحي إلى النبي وهو يتعبد في غار حراء وهو الغار الذي في أعلى الجبل المسمى جبل النور شرقي شمال مكة على يمين الداخل إليها فأول ما نزل عليه قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾,فهذه الآيات القرآنية تدل على‏ أنّ البعثة بدأت في جو مفعمٍ بالمعنوية ومملوء بنور العلم والمعرفة.
والجانب الرابع درس نتعلم منه كيفية اختيار الله تعالى لمن يصطفيهم بالنبوة والرسالة , فكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل النبوة، على درجةٍ عالية من التربية وحُسن الخُلُق، ولم يتدنس بعبادة الأصنام، فكان منذ صغره موضع عناية الله تعالى كما يُصوِّر لنا ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره)…
وكان الصادق الأمين وعليه السكينة والوقار , يذهب بعيد عن ضجيج الحياة، للعبادة والتحنث ,فعند قوله بنزول الوحي عليه ,فهو صادق أمين لا يكذب .
لقد كان (صلى الله عليه وآله) يمتلك روحاً عظيمة، ونفسية قوية, يكافح بالحجّة ، والموعظة ، والنصيحة ، والخلق الكريم والقلب الرّحيم . معصوم من الزلل والخطأ مذ خلق .
يقدم لنا أمير المؤمنين عليه السلام لوحة نص وردت في نهج البلاغة عن هدف الأنبياء قائلا: (أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم… لِيستأدُوهم ميثاق فِطرتِه، ويُذكرُوهم منسيّ نِعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويُثيروا لهم دفائن العُقول), فمن غير الممكن أن يتنزل الوحي على المرتجف , ومن المستحيل أن ينزل الله سبحانه وتعالى كتاباً سماوياً عظيماً يحمل بين دفتيه أسمى‏ العلوم والمعارف الجليلة والقوانين على شخص لم يتأمل بخالق الكون قبل البعثة أولا يكون قادرا على تحمل ثقل الوحي وثقل الرسالة وثقل القرآن الكريم ,فأكيد أنّ المولى عزوجل يرسل إلى البشرية رجالاً أفذاذاً صالحين يحملون مشاعل الوحي المشّعة المنيرة, ولهذا بُعث النبيُّ الأكرم (صلّى اللّه عليه وآله) لهداية الناس، ودوّى في سمعه الشريف نداء (إنّك لرسول اللّه).

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار