المحلية

استراتيجيات السياسة المالية في العراق بعد جائحة كورونا

م.د جمال حسين علي
جامعة تكريت / كلية الادارة والاقتصاد

تعد السياسة المالية من السياسات التي تساهم في تقدم الدول ورقيها, ولا يوجد سبيل لتحقيق ذلك التقدم ألا من خلال تحقيق سياسة مالية ونقدية ناجحة, وتعود أهمية هذا المقال إلى انه يركز على السياسة المالية في العراق في ظل أداء وتطور شكل وهيكل السياسة الاقتصادية للدولة، وتكمن اهمية المقال في أن السياسة المالية احد أهم الأدوات التي تمتلكها الدولة من اجل إدارة اقتصادها الوطني سواء كانت هذه الدولة من الدول النامية أم من الدول المتقدمة, حيث تستخدم الدولة السياسة المالية إلى جانب سياسات أخرى من اجل بلوغ الأهداف الاقتصادية المراد الوصول إليها, ويركز المقال على معرفة اداء السياسة المالية في العراق بعد عام 2020م ، ودراسة مؤشرات التنمية الاقتصادية وكذلك كيفية اداء السياسة المالية على التنمية الاقتصادية في العراق, فأداء السياسة المالية يؤثر على تحقيق التنمية الاقتصادية, فعند إتباع سياسات مالية ناجحة حقق العراق معدلات جيدة في مجال التنمية الاقتصادية، لكن عندما اتبع سياسات مالية غير مناسبة حدث انخفاض في معدلات التنمية الاقتصادية.
لقد تعددت وتنوعت مفاهيم السياسة المالية مع تطور دور الدولة في الحياة الاقتصادية ، حيث اخذ هذا المفهوم يتطور ويتوسع مع انتقال دور الدولة من الحياد الى التدخل ثم الى كونها منتجة ومساهمة في النشاط الاقتصادي . وطبقا لذلك فقد تعددت التعاريف التي تبين مفهوم السياسة المالية كنتيجة لتعدد الكتاب الذين تناولوا هذا المفهوم من جانب وتعدد المضامين التي يتناولها كل تعريف من جانب ثاني ، فالبعض يعرف السياسة المالية امثال (مصطفى، وحسن: 1989)على انها “برنامج تخططه وتنفذه الحكومة مستخدمة فيه مصادرها الايرادية وبرامجها الانفاقية لاحداث اثار مرغوبة وتجنب الاثار غير المرغوبة على كافة متغيرات النشاط الاقتصادي، اما البعض الاخر امثال (دراز:1988) فيعرفها على انها ” الجهود والمحاولات الحكومية المتعمدة لتحقيق التوظيف الكامل دون التضخم وذلك من خلال سياسة الانفاق والسياسة الضريبية وسياسة الاقتراض العام” في حين ان مجموعة اخرى من الكتاب تعرف السياسة المالية امثال (زكي و خليل: 1997) على انها ” جميع الاجراءات التي تهدف الى زيادة الرفاهية العامة من خلال السيطرة على الموارد المالية بواسطة الانفاق وتعبئة الموارد المالية”.
كما عرفت السياسة المالية على أنها : تلك السياسات والأجراءات المدروسة والمتعمدة والمتصلة بمستوى او نمط الأنفاق الذي تقوم به الحكومة من ناحية أو مستوى او هيكل الأيرادات التي تحصل عليها من ناحية أخرى (Klein, 1973).
استنادا الى ما تقدم فأن تعدد التعاريف يعكس تطور دور الدولة ومهامها ووظائفها في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي وبما يتلائم مع مستوى التطور الاقتصادي لكل بلد وفلسفته الاقتصادية ومباديء التنظيم المالي والهيئات التابعة للدولة والتي تهتم بتنفيذ الاهداف العامة بأساليب الجدوى الاقتصادية ، وعليه يمكن ان نستخلص من التعاريف السابقة تعريفا يعد الاكثر شمولا لأدوات واهداف السياسة المالية وهو ” السياسة التي تعكس توجهات الدولة نحو استخدام الايراد والانفاق العام في التأثير على النشاط الاقتصادي وبما يضمن تحقيق الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية في توزيع الموارد بين الافراد”.
اولاً:ادوات السياسة المالية في العراق
وتعد ادوات السياسة المالية بوصلة تعديل النشاط الأقتصادي المتعثر بسبب الأختلالات الأقتصادية المتكررة في الأقتصاد العراقي، ويتم التركيز في هذا المقال على أحد أهم ادوات السياسة المالية وهي النفقات العامة ( Expenditure Government) ووسيلة تمويلها الايرادات العامة Revenue) Government) ، وصافي الموازنة العامة (Public Budget) .
تعد النفقات العامة احدى الادوات المهمة التي تستخدمها الدولة عبر نشاطاتها المختلفة لتحقيق اهدافها بعد توسع دورها في ادارة الاقتصاد القومي ، وهي احدى مكونات الطلب الكلي فهي كل ماتنفقه الحكومة على السلع والخدمات والمدفوعات التحويلية (ابدجمان ،1990). وتصنف الى :
نفقات استهلاكية: ونفقات استثمارية ففي الوقت الذي يتمثل فيه الانفاق الاستثماري في كل ماتخصصه الدولة لإقامة المشروعات الاستثمارية وتحقيق النمو الاقتصادي ومعالجة الاختلالات البنيوية فأن الانفاق الاستهلاكي يعبر عن انفاق الدولة على الخدمات المختلفة والرواتب والاجور والاعانات، ولعل السياسة الانفاقية للمالية العامة لها الدور الرئيس في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بما يعيد التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي، وبشكل معاكس لاتجاه لسياسة الضريبة.

ان تدخل الدولة في الأقتصاد من خلال سياستها الانفاقية هو بهدف اعادة توزيع الثروات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي لاسيما في اقتصاديات البلدان النامية المتعثرة تنمويا، والتي يهيمن فيها القطاع العام على الناتج المحلي الأجمالي.
تمول النفقات العامة عن طريق مايسمى بالايرادات العامة، وحيث ان نفقات الدولة توسعت في الاقتصاد الحديث لتتجاوز خدمات الدفاع والأمن والقضاء الى القيام بالخدمات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الاشباع للحاجات العامة سواء القابلة للتجزئة او غير القابلة للتجزئة ، وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق التقدم وزيادة الرفاهية وبالتالي لابد ان تدبر الاموال الكافية لتغطية النفقات العامة من خلال تحديد مصادر التمويل لذلك فأن الايرادات العامة اداة مهمة من ادوات السياسة المالية، وبذلك يمكن تعريفها على انها مجموع الاموال التي تحصل عليها الدولة سواء بصفتها السيادية او من انشطتها واملاكها الذاتيه ، او من مصادر خارجة عن ذلك سواء كانت قروض داخلية او خارجية او مصادر تضخمية لتغطية الانفاق العام خلال فترة زمنية معينة من اجل الوصول الى تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والمالية(عبد الحميد ،2003 ).
وتشمل الضرائب والتي تعد مصدر تمويلي مهم لنفقات الحكومة وتسيير معاملات الدولة المالية لاسيما في الفترات التي يتأرجح فيها الاقتصاد الوطني مابين التضخم والانكماش وبالتالي فأن عملية اجراء التوازن بين الضرائب وتمويلها للانفاق وزيادة الانفاق الحكومي التي تسهم في خلق ضرائب من خلال زيادة الانتاج الخاضع للضرائب ، تعد عملية ديناميكية بين ادوات واثار السياسة المالية على مستوى النشاط الاقتصادي خلال الدورات الاقتصادية ، وهو ما تعتمده الدول المتقدمة في تمويل الانفاق من الضرائب واستخدامها وسيلة لتحقيق المساواة الاجتماعية من خلال عملية اعادة توزيع الدخل ومساعدة الحكومة في توفير السلع والخدمات العامة (2008, Micheal wichens) .
وفي الدول النفطية التي تعتمد بشكل رئيسي على الايرادات النفطية في تمويل نفقاتها العامة فأنها ستجعل اقتصاداتها تابعة لما يحدث من تقلبات وازمات في العالم لاسيما وان النفط هذا المتغير الداخلي بالانتاج والخارجي بالتأثير يصعب السيطرة عليه من قبل الحكومات المحلية كونه مرتبط بالسوق الدولية للطلب والعرض على النفط ، وتعتمد مسألة ماذا ستكون عليه النفقات العامة (المباشرة وغير المباشرة ) على التشريعات المستقبلية ، وعلى نحو مماثل تعتمد المقبوضات المرتبطة بها على التشريع المستقبلي وعلى التطورات الاقتصادية غير المؤكدة(2010 :Eisner,) ويمكن تعريف الموازنة العامة على انها خطة مالية (Fiscal plan) تتضمن تقديرا لنفقات الدولة وايراداتها لمدة زمنية معينه سنه واحدة ، ويتم اعدادها في ضوء الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية التي تسعى الدولة لتحقيقها واي منها يحتل سلم الاولوية حيث يتم تنفيذها بعد اجازتها من السلطة التشريعية(2010Eisner, ) .
ثانياً: الاجراءات المالية في العراق بعد عام 2020
بعد انجلاء ازمة كارونا في نهاية عام 2020 وتسببها بازمة اقتصادية عالمية تاثر بها الاقتصاد العراقي بشكل خاص كونه اقتصاد ريعي يعتمد على تصدير النفط الخام كمصدر رئيسي من مصادر الايرادات العامة، عمدت السياسات الاقتصادية ومن ضمنها السياسة المالية الى معالجة الاثار السلبية التي تسببت بها تلك الازمة من خلال زيادة الانتاج من النفط الخام وتصدير كميات كبيرة منه لغرض توفير النقد اللازم لتغطية الايرادات المالية التي تساهم في زيادة النفقات، فبعد تأسيس مجلس الخدمة العراقي في عام 2009 والذي تولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة بهدف رفع مستوى تلك الخدمة وتطويرها واتاحة الفرص المتساوية وضمان مبدا المساواة للمؤهلين لاشغال الخدمات العامة عمدت وزارة المالية الى توفير اكثر من 100 الف عقد وزاري في عام 2021 لكافة الوزارات والهيئات الحكومية (البنك المركزي العراقي).
في بداية عام 2022 انطلقت منظومة خاصة بمجلس الخدمة تم تسجيل كافة بيانات العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا والاوائل على الكليات والاقسام العلمية المتخرجين من جامعات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي نهاية العام المذكور انطلقت منظومة التعيين المركزي للفئة المذكورة بواقع اكثر من 100 الف درجة وظيفية ساهمت في تغطية اغلب الاعداد التي تم تسجيلها في مجلس الخدمة الاتحادي مما ساهم في تقليل نسبة البطالة في العراق وزيادة نسبة الانفاق وارتفاع في المستوى العام للاسعار الامر الذي كان نتيجة للسياسات المالية التي اتخذتها الدولة (وزارة المالية).
تعد وزارة المالية صاحبة القرار الاول والاخير في توفير الدرجات الوظيفية لكل عام ففي عام 2023 عمدت الى توفير الاف الدرجات الوظيفية لغرض تغطية الاجراءات اللازمة في تثبيت العقود الوزارية ممن لديهم خدمة عقدية اكثر من سنتان في جميع الوزارات والهيئات الحكومية مما ساهم في توفير الوظيفة وفرص العمل لشريحة كبيرة من العاطلين عن العمل.

jamal.hussien.@tu.edu.iq

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار