السياسية

حيث نجح الكرد وفشل الشيعة

محمد عبد الجبار الشبوط..
ابتداءً من الضروري ان اوضح ان هذا المقال لا يعبر عن رأيي الشخصي في مسألة الدولة حيث اني اؤمن بالدولة الحضارية الحديثة التي اساسها المواطنة والديمقراطية والمؤسسات والقانون والعلم الحديث، ولا اؤمن بدولة المكونات التي اساسها المكون والمحاصصة والتوافقية. لكني اتحدث هنا بلسان القوم، واعني بهم الكرد والشيعة، لاحدد فيم نجح الاول، وفشل الثاني.
بدأ الكرد حركتهم بالدعوة الى الاعتراف بهم كقومية ثانية في الدولة العراقية. وتحقق لهم ذلك في عهد عبد الكريم قاسم. ثم صعدوا درجة ثانية حين دعوا الى الحكم الذاتي، وتحقق لهم ذلك في عهد صدام حسين. ثم طرحوا الفيدرالية التي اقرها مؤتمر فيينا للمعارضة العراقية ومن بعد ذلك دستور عام ٢٠٠٥. واليوم يطرح السيد مسرور البارزاني من لندن فكرة الكونفيدرالية، علما ان الفيدرالية الحالية تحمل العديد من العناصر الكونفدرالية. ويتضح من هذا التسلسل الذي استغرق اكثر من ستين عاما ان الكرد، واقصد زعماءهم السياسيين بالدرجة الاولى، كانوا ومازالوا يعرفون ماذا يريدون، وكيف يحققون ما يريدون. والهدف ليس مستترا انما هو معلن بعنوان الدولة الكردية المستقلة كحق تاريخي وشرعي للشعب الكردي بموجب الحق في تقرير المصير الذي اقرته الشرائع الدولية. وهم متفقون على ذلك بمن فيهم الاشخاص الذين يتولون مناصب سيادية في حكومة بغداد، مثل رئاسة الجمهورية، و وزارة المالية او الخارجية. وفي هذه الاثناء استثمر الكرد كل فرصة ممكنة ومتاحة لاعادة بناء واعمار مناطقهم التي اقرها دستور ٢٠٠٥ بعنوان اقليم كردستان. واليوم تضاهي مدن السليمانية واربيل ودهوك مدنا اخرى متقدمة ومتطورة من حيث التنظيم والتطور والنظافة والخدمات.
على الجانب الشيعي سيكون اول ما نلحظه هو ضبابية الهدف وعدم توحد الكلمة على هدف واحد يسعى اليه الجميع. وتراوحت الاهداف الشيعية من اقامة الدولة الاسلامية (حزب الدعوة) الى اقامة اقليم الوسط والجنوب (السيد عبد العزيز الحكيم) وبينهما حكومة الاغلبية الوطنية او الاغلبية السياسية او الحكومة التوافقية.
ويمكن القول ان الشيعة “ضيعوا المشيتين” كما يقول تعبيرنا الشعبي. فلا هم تمسكوا بدولة المكونات لاقامة الكيان الشيعي المزدهر والقوي، ولا هم تمسكوا بالدولة الوطنية القائمة على اساس المواطنة والقادرة على احتضان جميع العراقيين على اختلاف مللهم ونحلهم. ولا اتهم بذلك كل الشيعة، وانما اوجه اصبع الاتهام الى من اصبحوا قادة للشيعة، وهم عدد محدود من الاشخاص الذين خدمتهم الظروف بامساك ازمة الدولة والشارع، وتبعهم عدد من الناس لاسباب شتى. وفي غمرة الاختلاف على الهدف والصراع على المناصب والمكاسب، واصلت المناطق التي يسكنها الشيعة تاخرها وتخلفها من جميع النواحي، حيث الخدمات السيئة، والنقص بالمياه الصالحة للشرب، والمخدرات، والبطالة، والفساد، وغير ذلك، الامر الذي ادى الى فقدان القاعدة الشيعية الثقة بقياداتها السياسية، ومكن الاخرين من اختراق الجسم الشيعي. وهذا هو الفشل الشيعي، اي فشل القيادات الشيعية مقابل النجاح الكردي.
يسأل الكثير من الناس عن الحل. والحل لا يمكن ان يتحقق دون ان يتضح الهدف ويتبلور، وهو اما دولة مكونات كما يطرحها الكرد، بشرط ان تكون حضارية حديثة، مثل سويسرا، او دولة مواطنة، وايضا بشرط ان تكون على نموذج الدولة الحضارية الحديثة.
وبهذا الشرط يطرح الشرط الثاني نفسه وهو ضرورة ان يتولى الامر اشخاص لهم القدرة والكفاءة المعرفية والعملية في بناء الدولة على اي من الخيارات، اي اما دولة المكونات او دولة المواطنة بالوصف المذكور للخيارين، وهو الحضارية والحداثة.
مثلت تظاهرات تشرين حركة احتجاجية مادتها شباب الشيعة، لكنها لم تقدم البديل الحضاري الحديث. ولهذا فان الحالة العراقية ذات الافق المسدود حتى الان بحاجة الى من يقدم البديل بهذا الوصف. وهذا يتطلب تفعيل سنة الاستبدال التي اشار اليها القران الكريم:
“إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِـَٔاخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا”، “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط، ولاتعتبر من سياسة الوكالة..

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار