الثقافية

اغتراب المثقف العربي ما زال الجانب الأخطر فيه .. قراءة في رواية .. ( هكذا تكلمت ناهد )

اغتراب المثقف العربي ما زال الجانب الأخطر فيه ..
قراءة في رواية .. ( هكذا تكلمت ناهد )
سيرة امراة من نار لكاتبها عادل احمد شريفي السوري

حسين الذكر

هناك نقطتان أساسية ينبغي الالتفات والتاكيد عليهما في مسار مختلف الفنون والتعابير الثقافية وأهدافها قبل الخوض باية تفاصيل أخرى :-
الأولى :- قيمة أي عمل فني او ثقافي او رياضي او اعلامي – وفقا لفلسفتي في الحياة – تتوقف على مدى خدمته لمصالح البلد العليا .
ثانيا : قبل الشروع بالكتابة والمضي قدما في إتمام المنجز الثقافي ينبغي ان تكون الأهداف الشخصية للمنجز واضحة وان تتسق تلك الأهداف مع القيم المجتمعية والرؤى الشخصية للكاتب .

على هامش الدعوة التي وجهت لنا من وزارة الثقافة السورية لالقاء عدد من المحاضرات في الساحل السوري الجميل ( اللاذقية وطرطوس وجبلة ) .. وكذا ما تفقدناه من أيام الشام برحلة قصيرة التقينا فيها عدد من المثقفين السوريين والموظفين الحكوميين والمواطنين العاديين .. وقد اتضح جليا بان ما يكتبه الاعلام المعادي وما يسوق خارجا عن سوريا وتصويرها على انها تعيش الضنك والجوع والعطش وتتجرع قطرات الحياة الأخيرة في ذل غير مسبوق .. كل ذلك مجرد هراء .. اذ ان المشهد يوحي ويكشف عن كبرياء متعالي في سلوكيات متحضرة بل متجددة لشعب اغلبه مثقف نساء ورجال يعشق الادب والثقافة والرواية والقراءة ويخضع للحوار الحر .. وهم يمارسون حياتهم اليومية وينتقون مفرداتهم بذوقية متعالية تدل على عمق الإرث الحضاري المتشكل في حلقة وصل ظلت تعد ملتقى لمختلف ثقافات الشرق والغرب ..
عادل احمد شريفي .. كاتب عربي سوري يتجلى فيه الشباب وطموحاته الا انه يحمل من الضيم والتساؤل في الوقوعات السياسية وتداعياتها ما جعله يبدو اكبر من عمره .. وقد اهداني نسخة من كتابه ( هكذا تكلمت ناهد ) .. كبقية كتب عدة حملتها معي هدايا الى بغداد من بلد اغلب ناسه مثقفين وطبقته المثقفة ما زالت تتمسك بالكتاب شعرا او نثرا هوية وتعبيرا عما يجول في الخواطر والضمير والحرص على انه هو التقييم لما يبلغه الكيان الشخصي وربما المجتمعي .

كالعادة لم اترك يوميات ناهد ( كما سماها ) زميلنا شريفي على عجالة اذ يومين كانت كافية لانهاء مدونته التي كتب على غلافها ( رواية ) .. وانا أتطلع بدياتها صار عندي تصور ظل يلازمني حتى النهايات .. فنحن العرب وجراء معاناة ما تحملناه من تبعية للاخر اصبحنا نستنسخ تجارب الغرب دون اخذ البيئة بنظر الاعتبار .. وان كانت المفردات المستخدمة والقواميس المعززة للنص عربية .. من قبيل : ( أسماء وشخصيات ورموز ودول ومدن واحداث وسلكيات .. ) الا ان التغريب السردي اضفى عليها بعدا لا يمت للواقع العام بصلة وان حملت (الثيمة) مضمون جزيئية تعد بمثابة المقطع او النسبة النشاز التي لا يمكن ان تكون معبرة عن المجموع او تصلح لتكون مرآة للقاعدة . هذه الإشكالية أوقعت اغلب مثقفينا في حيرة وارباك تجلى في الكينونة واثبات الذات وجعلت الحيرة بادية ومحيرة بل مهلكة للمثقف العربي عامة .. وان كان يمتلك مقومات المثقف الكامل .. الا ان الأهداف والرؤى والأساليب المتبعة في ترجمان ذلك التثقيف ينبغي ان يكون رسالي كي لا يفقد قيمته .
اذ ان العالم الغربي بمخرجاته ( عامة ) ثقافية او فنية او صناعية او علمية او عسكرية او سياسية واي تصنيف اخر .. هو لا يات مباشرة الينا .. او بالأحرى لا يصدر نحو الشرق تحديدا الا وفقا لسياسة خاصة واهداف محددة منتقاة بعناية وتشكل جزء من استراتيجية لا يمكن ان نجد للعشوائية فيها أي حركة واضحة . هذا يعني ضمنا ان الأساليب الفنية والثقافية بمختلف مخرجاتها ( سينما مسرح رواية صحافة فن رياضة ) تكون قد اختمرت واثمرت وحققت جزء من الأهداف الكبرى قبل ان تنقل الينا بعد سنوات وربما عقود طويلة .. ولاهداف غير تلك الأهداف التي انتجت واختمرت ونجحت حد الابهار في البيئة الغربية – على سبيل المثال – .. لب الإشكالية حينما يبقى المثقف العربي يسير على ذات المنهجية التي اوجدها واستنزفها الغرب يخوض بتفاصيلها حد التقليد في وقت يكون الاخر الغربي قد عبر المرحلة وطوى الصفحة و اوجد فنون واساليب جديدة تحاكي عصره وزمانه وتلبي متطلباته الاستعمارية حد النخاع – وهنا لب إشكالية يجب ان تدرك – .
( هكذا تكلمت ناهد ) خليط من الأفكار والطموحات المكبوتة والاحلام الضائعة والقيم المهدمة والعواطف المجروحة . قد جسدت على شكل مجموعة قصصية ترابطت احداثها من اجل الخروج بهيكل سردي ومجموع مفردات قد تؤدي في النهايات الى ما يمكن ان نسميه ( رواية ) . يعتقد كاتبها انها تمثل واقع وبيئة عربية او سورية تحديدا بيئة الكاتب .. في واحدة من تاثيرات الاخر المتجلي حتى في كينونة وثقافة ومخرجات ومنتخبات العرب . حيث كثف الكاتب احمد شريفي الكثير من الجنس حد الخلاعة المشوهة بل المقززة للحياء والتي اغلبها رونقت ووظفت ضمن بوتقة سياسية او مخفيات مخابراتية ظلت تدور وتدور في عالمنا العربي لتخرج لنا انموذج مشوه لا يمكن ان يمت بصلة لواقعنا العرب والاسلامي وان تم اصطباغ الاحداث واسباغ المسميات والعناوين بالعربية والإسلامية او تدوين الاحداث في مدن ووقائع عربية ..
مشكلة المثقف العربي الكبرى تتمثل في غياب النموذج القيمي الذي يمكن ان يتحرها في طريقه ويقتدي ويحتذي بمساره ويتحراه في طريقه ويراه وعظمه بافقه وتلك مشكلة جميع الفنون العربية التي نجبر على نقتفي اثر الغرب دون المقامات العربية . مما جعل الاغتراب حاضر نفسا وسلوكا بل وحتى امنيات … وهنا تكمن ذروة المأساة .
سوف لا نستطيع مجاراة الاخر وادراك كنهه في التعاطي والابعاد التي يسير عليها ويعتمدها في تدبير شؤون حياته عبر وسائله المتعددة ( الثقافية والسياسية والأمنية والاقتصادية والفنية والرياضية ) . دون ان تكن لنا قدرة على تجاوز ما رسخ وطبع في عقليتنا من أيام اجاث كرستي وقبلها وبعدها .. اذ انها كانت للغرب معركة ثقافية ومرحلة استعمارية واداة وانتهت بوقتها .. فيما ما زلنا للأسف نقاتل او نحاول القتال بذات الأسلحة من قبيل السيف والمغوار ..
لقد اعتمد الكاتب شريفي على منهجية جنسية لم يستطع ان يجعل منها مثيرة برغم افتضاح المفردات وكامل تعريتها بطريقة مقززة لا تنتمي لمنظومة أخلاقية .. ولا يمكن ان تكون مبررة الوصول لغاية ميتة .. فمن يريد ان يشاهد الجنس وملحقاته يمكن ان يدخل لسوق النخاسة في السوشل ميديا والتواصل وهي مليئة بما يشبع النفس المريضة .. اما اتخاذ الرواية والكتاب لادخال تلك المفردات بهذا الشكل التجريدي المكشوف والجمل السردية الموغلة بتشويه الذوقية بما يعد خطر على المجتمع .. بل يسهم بافساد الذات اكثر مما هي فيه من معاناة التغريب . حتى نبدو باننا نسير على ذات الطريق الذي رسمه لنا الاخر .
ادرك نوايا الكاتب الحسنة واخلاقياته العالية الا ان طموح قد وؤد ورغبات كبتت وواقع مزري نخوض فيه قد رمى بظلاله على وسائل تعبيرنا التي يجب ان تتخطى وتقفز عولميا من اجل علاج الواقع العربي والمساهمة برقيه لا تقهقره .
الجانب السياسي والمخابراتي كان حاضرا .. وقد ذكرت الأمثلة من الواقع العربي بمسميات عربية قحة .. وقد حاول او اعتقد الكاتب انها مصادفات غريبة او مجرد امراض يقع بها العاملين بالسياسة والمخابرات واليات الظلام .. في الوقت الذي نجد التغريب موجود مؤسس ومدير ومخرج ومستفيد من كل ما يحدث .. حتى حكاية اللواء العراقي مجيد وتهديده واغراؤه لزوجة العالم العراقي مناف . الذي فظل الهرب عبر اتصاله بالغرب . لا اجدها الا طريقة ( غربية ) بحتة مئة بالمئة ومن صلب أفكارهم وخططهم بالتعاون مع الاخر المستبد العربي لاعادة عالم نووي للعمل مرغما متوسلا بهم وليس العكس .. والكثير الكثير مما طرح ونقل عبر أوقات ومشاهد وصور رواية ( ناهد ) ذلك المخلوق المشوه التي تعد نسبه اقل الف الف مرة عما يمكن ان نسميه انموذج عربي لا يمت للواقع العربي بصلة وان كان صناعة ظلامية او مجرد خيالات أدبية حالمة .
في الختام : ( اعتقد جازما بان أي منجز ادبي ان لم يكن يصب بمصالح الوطن العليا .. لا يعد فنا .. كما علي الادباء والكتاب والمثقفين العرب ان يقفوا طويلا امام منجزاتهم وتحديد أهدافها نحو الغاية المثلى أولا واختيار الأساليب الواقعية او الخيالات والمقاربات المعبرة للواقع والبيئة قبل أي انموذج تغريبي آخر .
بقي الاشارة الى ان كاتبنا الأخ احمد شريفي ( العزيز ) يمتلك قدرة كتابية وبلاغية متمكنة معجونة بفكر خلاق وروح أخلاقية سامية معززة باحاسيس وانتماء وطني وإنساني متاصل فضلا عن مشاعره العربية والإسلامية المتجلية بكم الهم والمعاناة المجتمعية التي يحملها بشكل يؤهله لتوظيف قدراته على نحو اجمل .. وهو قادر على الإنجاز المتنوع بفنون يدرها وخبير فيها بشكل افضل بكثير مما عرج فيه على كلمات ناهد التي لا يمكن ان تكون واجهة او مقاربة لما تكلم به زرادشت .. فتلك أيام وفلسفة واهداف ( فردريك نيتشة ) التي وظفت بالحربين العالميتين .. فيما نحن نعيش احداث حرب عالمية ثالثة ناعمة وتحتاج الى فنون وثقافات وسياسات واسلحة تختلف تمام عما انجلت عنه غبرت الحربين الكونية .
والله من وراء القصد وهو ولي الامر

حسين الذكر
بغداد 3-6-2024

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار